للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأسّره وحملوه إلى ملكشاه، فبذل التّوبة ورضي بالاعتقال وأن لا يقتل، فلم يجبه ملكشاه فأنفذ له خريطة مملوءة من كتب أمرائه وأنهم حملوه على الخروج عليه وعن طاعته وحسّنوا له ذلك، فدعا السّلطان بالوزير نظام الملك وأعطاه الخريطة ليفتحها ويقرأ ما فيها، فلم يفتحها / وكان هناك كانون نار فرمى الخريطة فيه فاحترقت الكتب، فسكنت قلوب العساكر [وأمنوا] (٦٤) ووطنوا أنفسهم على الخدمة، بعد أن كانوا خائفين من الخريطة لأن أكثرهم [كان قد] (٦٤) كاتبه، وكان ذلك سبب [ثبات] (٦٤) قدم ملكشاه وكانت هذه معدودة في جميل آراء نظام الملك.

ومن جميل آرائه ما ذكره صاحب كتاب «فضل الحبيب والنديم اللّبيب» أن نظام الملك (٦٥) لما استوزره بالعراق السّلطان أبو الفتح السّلجوقي قام بالدّولة أحسن قيام، فشيّد أركانها وأسّس بنيانها، ووالى الأولياء واستمال الأعداء، وعمّ احسانه الولي والصّديق والقريب والبعيد، وكان أقبل اقبالا عظيما على العلماء والصّالحين والفقهاء، وبنى المدارس العظيمة والخانات العالية، وأجرى الخيرات الكثيرة والكساوي الجليلة الفاخرة لطبقات طلبة العلم والمشايخ الصّوفية وغيرهم ممّن يتوهّم فيهم الدّين والصلاح، وعمّ بذلك سائر الأقطار من بلاد العراقيين إلى الحرمين الشريفين، بحيث كان يخرج من خاصة الخالصة السّلطانية والخزائن الدّيوانية في هذه الوجوه ما ينيف على ستمائة ألف مثقال ذهبا غير الذي ينفقه من خاصة أمواله ومحصلات غلاته وما كان يدخل عليه من الهدايا وغيرها، ولعلّه كان يفوق القدر الذي يخرج من مال السّلطنة، فطار بذلك صيته في الآفاق، وكثر حسّاده ولا يخلو السّعداء من الحسّاد في كلّ زمان كما هو مشاهد بالعيان، وما وجدوا للطّعن على نظام الملك / طريقا غير اجحافه في الاخراج من الأموال السّلطانية من هذه الوجوه فوشوا إلى السّلطان أبي الفتح السّلجوقي من طرق شتّى، وكرّروا في سمعه أن نظام الملك أضر ببيت المال، والأولى أن يصرف في جمع جيش كثيف تركز رايته في سور القسطنطينية (٦٦) وكان ذلك قبل أن يفتحها السّلطان المرحوم برحمة الحي


(٦٤) اضافات من الوفيات تقتضيها دقة المعنى.
(٦٥) أبو علي الحسن بن علي بن اسحاق بن عباس، ونظام الملك لقبه، انظر ترجمته على سبيل المثال في ابن خلكان ٢/ ١٢٨. وعن علاقته بملكشاه ٥/ ٢٨٧.
(٦٦) ذكر ابن خلكان نقلا عن صاحب «الدول المنقطعة» ومن جملة ما سعى تاج الملك (صاحب خزانة السلطان) في نظام الملك الوزير أن قال للسلطان: انه ينفق في كل سنة على أرباب المدارس والرباطات ثلاثمائة ألف دينار. ولو جيش بها جيشا لبلغ باب القسطنطينية» ٥/ ٢٨٧.