للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّول فيجب أن يتدارك أمرهم، ويبادر إلى حسم الأذى منهم، فلمّا قرأ الواعظ أبو الحسن محمد بن عبد الصّمد البطاقة علم أنها أمر (٦٦) استعمل له، وقصد به ونبّه على الرّأي فيه، فاستعمل الحجّ، وخرج معه عامّة وخاصة من أهل القيروان، وأمر له السلطان بزاد فخرج متوجها إلى الحجّ في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر رجب الفرد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة (٦٧)، ومعه رجال وكّلوا به ليصلوا معه إلى مدينة قابس، ونهى أن يشيّعه أحد أو يخاطبه الخطاب، وكان الرفقة الخارجة إلى مصر قد قرب خروجها، فأمر أن ينتظرها بمدينة قابس إلى أن يصحبها وكوتب (٦٨) عامل قابس بأن لا يدخل إليه أحد هناك، ولا يجتمع عنده اثنان، ولا يخرج من المكان الذي ينزل فيه الاّ يوم سفره، فخرج وهو غير آمن على نفسه، وأظهر السّلطان ما كان (٦٩) يخفيه من أمره، وصار من ذكره بخير، أو قال فيه جميلا مبخوسا (٧٠) مذموما حتى صار من كان يفرط في مدحه يظهر الإفراط في ذمّه خوفا على نفسه من السّلطان، فلما فصل عن مدينة قابس قتله رجل من الأعراب في طريقه ذلك، فكثر الظنّ من الناس على السّلطان أنه دس عليه من قتله، واختلف النّاس في ذلك فبعضهم (٧١) يثبت ذلك له وبعضهم ينفيه عنه، فلمّا بلغ الخبر أباه عبد الصّمد، وكان في آخر درس وعظه بمسجد عمرو بن العاص بمصر نعاه له من عرفه بسبب قتله، فخرج من وقته قبل أن يرجع لبيته ملبّيا / فحجّ ذلك العام وجعل يطوف ويتعلّق بأستار الكعبة (٧٢) ويصيح يا ربّ المعزّ عليك بابن باديس، فكانت الهزيمة الواقعة بالقيروان في العام الثاني من حجّه، وذكر عياض (٧٣) أنه حجّ ورجع» اهـ‍ (٧٤).

هذا هو السّبب الباطن، وأما السّبب الظاهر فهو ما أشار إليه ابن خلدون في تاريخه بقوله: «كان المعزّ ابن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بافريقية وخطب للقائم


(٦٦) في ت: «من».
(٦٧) ١٠٤٩ - ١٠٥٠ م.
(٦٨) في ش وت: «وكتب».
(٦٩) ساقطة من ش.
(٧٠) في ش: «منجوسا».
(٧١) في ت: «حتى أن».
(٧٢) في ن: «البيت الحرام»، وفي ط: «البيت».
(٧٣) في ت: «القاضي عياض».
(٧٤) معالم الإيمان ٤. وانظر البيان المغرب لابن عذارى ١/ ٢٧٩ - ٢٨٠.