للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ أن يوسف أزمع على الرجوع إلى بلاده، وكان عند قصده ملاقاة الأذفونش تحرّى المسير / بالعراء (٥٣)، من غير أن يمرّ بمدينة أو رستاق حتى نزل الزلاّقة تجاه الأذفونش، وهناك اجتمع بعساكر الأندلس. وذكر أبو الحجاج يوسف بن محمّد البيّاسي في «كتاب تذكير العاقل وتنبيه الغافل» أن إبن تاشفين نزل على أقلّ من فرسخ من عسكر العدو في يوم الأربعاء وكان الموعد في المناجزة يوم السبت الآتي فغدر الأذفونش ومكر، فلمّا كان سحر يوم الجمعة منتصف رجب من العام، أقبلت طلائع ابن عباد والرّوم في آثارها والنّاس على طمأنينة، فبادر ابن عباد للركوب، وانبث الخبر في العساكر فماجت بأهلها، ووقع البهت (٥٤) ورجفت الأرض، وصارت النّاس فوضى (٥٥) على غير تعبئة ولا أهبة، ودهمتهم خيول العدو، فغمرت ابن عباد وحطّمت ما تعرض لها، وتركت الأرض حصيدا خلفها، وصرع ابن عباد وأصابه جرح أسوأه وفرّ (٥٦) رؤساء الأندلس وأسلموا محلاتهم، وظنّوا أنها وهنة لا ترقع ونازلة لا تدفع، وظنّ الأذفونش أن أمير المسلمين في المنهزمين ولم يعلم أن العاقبة للمتّقين، فركب أمير المسلمين وأحدق به أنجاد (٥٧) خيله ورجاله من صنهاجة ورؤساء القبائل، وقصدوا إلى محلّة الأذفونش ودخلوها وقتلوا حاميتها، فضربت الطّبول واهتزّت الأرض وتجاوبت الآفاق وتراجع الرّوم إلى محلاّتهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين سالم فقصدوا أمير المسلمين فأفرج لهم عنها، ثم كرّ فأفرجهم منها ثمّ كرّوا عليه / فأفرج لهم عنها، ولم تزل الكرات تتوالى بينهم إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه السّودان فترجل منهم زهاء أربعة آلاف، ودخلوا المعترك بدرق اللّمط وسيوف الهند ومزاريق الزان فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها وأجمحت عن أقرانها (٥٨)، وتلاحق الأذفونش بأسود (٥٩) يقذف مزاريقه، فأهوى ليضربه بالسيف، فلصق به الأسود وقبض على أعنته وانتضى خنجرا كان متمنطقا به، فأثبته في فخذه فهتك حلق درعه وشكّ فخذه مع بداد سرجه، وكان وقت الزّوال من ذلك اليوم، فهبّت ريح النّصر وأنزل الله


(٥٣) في الأصول: «الغدات» والمثبت من الوفيات ٧/ ١١٧.
(٥٤) في الأصول: «النهب» والمثبت من الوفيات ٧/ ١١٧.
(٥٥) في الأصول: «ترمي».
(٥٦) في الأصول: «وبعضا».
(٥٧) في ش: «أجناد».
(٥٨) كذا في ط والوفيات وفي ش: «أقواتها».
(٥٩) كذا في ط والوفيات ٧/ ١١٨، وفي ش: «السود».