للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكينته على المسلمين ونصر دينه، وصدقوا الحملة على الأذفونش وأصحابه، وأخرجوهم عن محلّتهم فولوا ظهورهم، وأعطوا أعناقهم، والسيوف تصفعهم إلى أن لحقوا بربوة فلجأوا إليها واعتصموا بها، وأحدقت بهم الخيل، فلمّا أظلم اللّيل انساب الاذفونش وأصحابه من الرّبوة، وأفلتوا بعدما نشبت فيهم أظفار المنيّة، واستولى المسلمون على ما كان في محلّتهم من الأثاث والآنية والمضارب والأسلحة، وأمر ابن عباد بضمّ رؤوس القتلى من الرّوم فنشر منها كالتلّ العظيم» (٦٠).

قال ابن أبي الهيجاء: «جمعت رؤوس القتلى فكانت عشرين ألف رأس، فبنوها أربع منائر وأذن المسلمون عليها»، ثم كتب (٦١) ابن عباد إلى ولده الرّشيد كتابا وأطار الحمام به في يوم السبت سادس عشر المحرم يخبره بالنّصر.

وقد روي أيضا / أن أمير المسلمين طلب من أهل البلاد المعونة على ما هو بصدده، فوصل إلى المريّة كتابه في هذا المعنى، وذكر فيه أن جماعة أفتوه بجواز طلب ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقال أهل المريّة لقاضي بلدهم وهو أبو عبد الله بن الفراء (٦٢) أن يكتب جوابه، وكان القاضي من أهل الدّين والورع على ما ينبغي، فكتب إليه: أما بعد ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة [وتأخري عن ذلك] (٦٣) وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأن عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - اقتضاها، وكان صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره ولا يشكّ في عدله، فليس أمير المسلمين [بصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا بضجيعه في قبره ولا] (٦٤) ممّن لا يشكّ في عدله، فان كان الفقهاء والقضاة أنزلوك هذه المنزلة في العدل فالله سائلهم عن تقلّدهم فيك، وما اقتضاها عمر حتى دخل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحلف أن ليس عنده درهم واحد في بيت المال ينفقه عليهم، فلتدخل أنت المسجد الجامع هناك بحضرة أهل العلم (٦٥) وتحلف أن ليس عندك درهم واحد في بيت مال المسلمين، وحينئذ تستوجب ذلك، والسلام» (٦٦).


(٦٠) ابن خلكان، وفيات الأعيان ٧/ ١١٦ - ١١٨.
(٦١) يرجع إلى النقل من الوفيات ٧/ ١١٨.
(٦٢) في الأصول: «البراء» والمثبت من الوفيات ٧/ ١١٩.
(٦٣) اضافة من الوفيات.
(٦٤) اضافة من الوفيات.
(٦٥) في الأصول: «المسلمين».
(٦٦) الوفيات ٧/ ١١٩.