للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواثق المقتول معه، فداخله وأطمعه في الأمر وعرفه بتأتي الحيلة، ولقّنه أمور الملك وأسماء القرابة، ثم قصد العرب فعرضه عليهم واغتنم منهم نفرة عن الأمير أبي اسحاق، فلبس عليهم، وجعل الفتى يبكي كلما رآى الدعيّ موهما أنه الفضل، ويقبّل أقدامه، واسم الخصي نصير، فأقبل على أمراء العرب مناديا بالسّرور بابن مولاه حتى خيّل عليهم بأن أخبرهم الدعي بن أبي عمّارة لمحاورات [وقعت] بين العرب وبين الواثق قصّها / عليهم كان عرّفه بها نصير، فلما سمعها الأعراب وقد كانت جرت بينهم وبين الواثق صدّقوه ولم يشكّوا فيه واطمأنوا له، وبايعوه، وألقيت محبته في قلب أبي علي بن مرغم (٩٩) بن صابر شيخ دبّاب، فعضده وجمع عليه العرب ونزل معه طرابلس، وصاحبها حينئذ من قبل السّلطان أبي اسحاق محمد بن عيسى الهنتاتي المعروف بعنق (١٠٠) الفضة فأغلقها (١٠١) ووقع القتال مدّة، ثم رحل عنها وجبى تلك النواحي، ثم رحل إلى قابس وقد ظهر أمره، ولم يشك أهل الأوطان أنه من البيت الحفصي، فخرج اليه عبد الملك بن عثمان بن مكي وفتح له قابسا فدخلها، وبايع له أهلها يوم الأربعاء السّابع عشر لرجب من سنة احدى وثمانين المذكورة (١٠٢)، وجاءته بها بيعة جربة والحامّة ونفزاوة وتوزر وسائر بلاد قسطيلية (١٠٣)، ثم فتحت له قفصة يوم الجمعة فدخلها سابع رمضان من العام المذكور، وأخرج له السّلطان أبو اسحاق من تونس جيشا عظيما أمر عليه ولده الأمير أبا زكرياء يحيى فنزل القيروان، وأغرم أهلها أموالا، ثم توجّه نحو الدعي، فنزل قمّودة، والنّاس يتسللون منه حتى كاد يبقى وحده، فرجع إلى تونس ورحل الدّعي من قفصة إلى القيروان فدخلها وبايعه أهلها وجاءته بيعة المهدية وصفاقس وسوسة، فخرج السّلطان أبو اسحاق من تونس في جيش عظيم، ونزل المحمدية في العشر / الأوسط من شوال من السنة المذكورة، وأخرج من العدد حمل تسعين بغلا، فنهب ذلك كله من منزل المحمديّة، وفرّ كثير من الناس عنه إلى المدّعي، ثم فرّ إلى الدّعي الشيخ أبو عمران موسى بن ياسين في جماعة عظيمة من الموحدين، فالتقى به على مقربة من شاذلة


(٩٩) في الأصول «عمر» والتصويب من تاريخ الدولتين وهو شيخ الجواري من بني دباب، أسّره الصقليون بنواحي طرابلس وأطلقه صاحب برشلونة لغرض سياسي، راجع ابن خلدون ٦/ ٧٠٣.
(١٠٠) كذا في تاريخ الدولتين ص: ٤٥، وتاريخ ابن خلدون ٦/ ٦٩٨، وفي الأصول «بعين الفضة».
(١٠١) في ش: «فغلقها».
(١٠٢) ٢١ أكتوبر ١٢٨٢ م.
(١٠٣) في ط: «قسنطينة» وفي ش: «قسنصينة» والتصويب من تاريخ الدولتين ص: ٤٥.