للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبايعه، ورجع السّلطان أبو اسحاق إلى سبخة تونس حتى أخرج نساءه وأولاده، وارتحل من تونس مغربا فلقي شدائد وأهوالا من المطر والثّلج والجوع والخوف، فكان يبذل الأموال للقبائل مصانعة على نفسه وأولاده وأهله حتى وصل إلى قسنطينة فأغلقها صاحبها أبو محمد عبد الله بن توفيان (١٠٤) الهرغي (١٠٥) في وجهه فطلب منه ما يأكل، فأنزل له من أعلى السّور الخبز والتّمر، فأكلوا ورحلوا من يومهم إلى بجاية، فمنعه ولده أبو فارس عبد العزيز الدّخول اليها فأقام بقصر الرّبيع على شاطئ وادي بجاية، وسكن بقصر الكوكب، وكان فراره من تونس ليلة الثلاثاء الخامس والعشرين لشوال سنة إحدى وثمانين وستمائة (١٠٦)، وكانت خلافته بتونس من حين خلع الواثق نفسه إلى حين فراره ثلاثة أعوام ونصفا واثنين وعشرين يوما.

وفي يوم الخميس السابع والعشرين لشوال من سنة إحدى وثمانين (١٠٧) بويع الدّعي بتونس على أنه الفضل بن أبي زكرياء يحيى الواثق، وانما هو أحمد بن مرزوق ابن أبي عمارة المسيلي / أمه فرحة من فران من بلاد الزّاب، مولده بالمسيلة سنة اثنتين وأربعين وستمائة (١٠٨)، وتربيته ببجاية، وخطب له بهذا الإفتراء على جميع منابر افريقية. وكان هذا الدّعي سفّاكا للدماء ظالما يظهر قطع المنكر ويأتيه، ويوم دخوله لتونس عاث العرب في النّاس، فأخذ منهم ثلاثة وضرب أعناقهم وصلبهم، ثم أخرج جيشا وأمر عليه شيخ الموحدين أبا محمد عبد الحق بن تافراجين، وأمره بقتل من ظفر به من العرب، ومات يوم دخوله تونس في زحام باب المنارة ثلاثة عشر رجلا منهم الفقيه القاضي أبو علي حسن بن معمّر الهواري الطرابلسي، وفي الخامس والعشرين من يوم دخوله أخذ أمراء العرب الملاقين له وكانوا نحوا من ثمانين، وفي يوم السبت بعده أخذ الزّناتيين وأخرجهم من القصبة عراة إلى السّجن، وكانوا نحوا من ثلاثمائة (١٠٩)، وفي الثالث والعشرين من ذي الحجة أخرج (١١٠) قرابة السّلطان أبي اسحاق كلّهم وسجنهم، واستأصل أموالهم، وهمّ بقتلهم، فمنعهم الله منه.


(١٠٤) في ش: «بوفيان» وفي ط: «توفيال» وتاريخ ابن خلدون ٦/ ٦٩٢: «يوقيان» والتصويب من تاريخ الدولتين التي ينقل عنها المؤلف.
(١٠٥) في الأصول: «المزغني» والتصويب من المرجعين السالفين.
(١٠٦) ٢٦ جانفي ١٢٨٣.
(١٠٧) ٢٨ جانفي ١٢٨٣ م.
(١٠٨) ١٢٤٤ - ١٢٤٥ م.
(١٠٩) ثلاثمائة وخمسين: تاريخ الدولتين ص: ٤٧.
(١١٠) كذا في ط وتاريخ الدولتين، وفي ش: «أخرج».