للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غاية التّوجّه فقال لهم: إنما جمعتكم لأسألكم الآن عن سؤال خطر ببالي وأريد منكم جوابه على الوجه الّذي ترونه صوابا، فقالوا: نعم، فقال: أسألكم عن جماعة جاؤوا إلى رجل بوديعة مربوطة مختومة، وطلبوا إيداعها عنده، فقال: لا أستودعها إلاّ بشرط أنكم إذا طلبتموها أخذتموها بلا نزاع ولا خصومة فأردّها إليكم، فقالوا له: نعم، فأودعوها على ذلك الشرط ومضوا، ثم عادوا إليه بعد مدّة وقالوا له: نريد الوديعة بنزاع شديد / ومخاصمة ومضاربة، فقال لهم: هذه وديعتكم خذوها بلا نزاع عملا بمقتضى الشّرط فأبوا قبولها إلاّ بمقاتلة، فأيّهم على الباطل وأيّهم على الحقّ؟ فعلموا مراده، واستحيوا منه، وقال لهم: ما جلست معكم إلاّ لتعلموا أنّي كأحدكم لا أمتاز عنكم بشيء، وهذه السلطنة أسلّمها إليكم بلا نزاع، وأنا واحد من الجند، فقبّل كلّ منهم يده وأذعنوا له وسألوه البقاء على السّلطنة، فسكنت الفتنة دهرا ثم استعلوا عليه بضروريات أخر، فطاولهم (٣٧١) بالحيل إلى أن أخذهم واحدا بعد واحد، ويتغافل ثم يجعل حيلة أخرى فيأخذ هذا بهذا ويوقع بينهم الدّسائس، ويدسّ لهم السّمّ في العسل حتى أفنى قرانصتهم (٣٧٢) ودهاتهم إلاّ قليلا منهم ممّا لا بدّ له، واتخذ لنفسه مماليك جددا واستجلب جلبانا وأعدّ عددا وعددا، فصاروا يظلمون النّاس ويعسفونهم ويعاملونهم غشما وصار هو يقضي عن مماليكه فأظهروا الفساد وأهلكوا البلاد والعباد حتى أن أحدهم يأكل فإذا خرج إلى الطّريق ووجد أحدا من الناس مسح يديه في أثوابه فأعدّ النّاس لهم الفوط على أكتافهم، فإذا لقوا أحدا منهم وأراد مسح يديه بثيابه ناوله تلك الفوطة، فمن أجل ذلك إستعمل النّاس الطّيالس على أكتافهم عوضا عن تلك الفوطة الّتي إعتادوها بعد زوال تلك المحنة، ثم إن الغوري صار يصادر النّاس بأخذ أموالهم غصبا وقهرا، وكثرت السّعاية / في أيامه بالنّاس لكثرة ما يصغي إلى مماليكه، فصاروا إذا شاهدوا واحدا توسّع في دنياه أو أظهر التّجمّل في ملبسه ومثواه سعوا به إلى الغوري، فيرسل إليه الأعوان ويطالبه بالعرض ويستصفي ماله ويسلّمه إلى الأعوان والضوباشي ليأخذ ماله، ويهتك أهله وعياله ويعذّبه بأنواع الأسلحة إلى أن يصير فقيرا، فجمع من هذا أموالا كثيرة وخزائن وسيعة فذهبت في آخر الأمر سدى (٣٧٣)، وتفرقت للعداء، وهكذا كلّ مال أخذ


(٣٧١) في ط: «فعالجهم».
(٣٧٢) لعل الصواب: «قراصنتهم».
(٣٧٣) في الأصول: «سدا».