للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظلما لا ينفع من جمعه بل يكون سببا لهلاكه لأن القدرة غيورة. قال الشّاعر:

[الطويل]

ألا إنّ مالا كان من غير حلّه ... سيخرب يوما دار من كان جامعه

وأبطل في أيامه الإرث فإذا مات أحد أخذ الغوري جميع ماله وترك أولاده عالة (٣٧٤) يتكففون ومن رفق بهم أبقى لهم شيئا يسيرا يسدّ الرّمق، فاشتد طلبه على الحطام الفاني، وتهالك على الظلم والفساد فعتا عتوا كبيرا، فاستجاب الله تعالى فيه دعاء المظلومين بقطع دابره، وذلك إنه لمّا سمع بخروج السّلطان سليم لقتاله جمع الغوري جنوده وخزائنه وخرج إلى حلب لملاقاة السّلطان سليم. فلمّا التقى الجمعان بمرج دابق (٣٧٥) قرب حلب إشتد القتال بين الفئتين، وقامت الحرب على ساقها ودارت (٣٧٦) الدّائرة على الّذين ظلموا، ونصر الله من نصر دينه فغار (٣٧٧) الغوري (٣٧٨) تحت سنابك الخيل ولم يظهر له خبر إلى الآن وذهبت ظلمات ظلم الجراكسة، فكانوا هباء / منثورا، وكأنهم لم يكونوا شيئا مذكورا.

فأقبلت (٣٧٩) رايات السّلطان سليم على قلعة حلب الشّهباء، فطلب أهلها منه الأمان، فأجابهم إلى القبول لطفا وكرما، فخرجوا إلى لقائه بالمصاحف وهم يجهرون (٣٨٠) بالتّسبيح والتّكبير يتلون: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى} (٣٨١)، فقابلهم بالإحسان والإكرام، وتصدّق بأنواع الصدقات، وحضرت صلاة الجمعة فخطب الخطيب باسمه الكريم، ودعا له ولآبائه وأسلافه، وبالغ في المدح والتّعريف، فلمّا سمع قول الخطيب في وصفه «خادم الحرمين الشريفين» سجد شكرا لله تعالى وقال: الحمد لله


(٣٧٤) كذا في ط، وفي ش وب: «عالي». وفي ت: «عراي».
(٣٧٥) «بكسر الباء وقد روي بفتحها وآخره قاف، قرية قرب حلب من أعمال عزار. . . عندها مرج معشب». معجم البلدان ٢/ ٤١٦.
(٣٧٦) كذا في ط وت، وفي ش وب: «ودايرت».
(٣٧٧) في ت: «فصار».
(٣٧٨) وسبب هزيمة الغوري وقوع الخلاف بين فرق جيشه المؤلف من المماليك، وساعدت المدافع العثمانيين على النصر، وقتل الغوري أثناء انهزام الجيش وسنه ٨٠ سنة وكان ذلك في يوم الأحد ٢٥ رجب سنة ٩٢٢/ ٢٤ أوت ١٥١٦ م. أنظر تاريخ الدّولة العليّة ص: ١٩٢.
(٣٧٩) رجع إلى النّقل من الإعلام للنّهروالي بتصرف ص: ٢٧٨.
(٣٨٠) كذا في ط والإعلام. وفي ت: «يجرون إليه بالتسبيح»، وفي ش وب: «يجرون بالتسبيح».
(٣٨١) سورة الأنفال: ١٧.