للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدة، وفي أثناء ذلك جاء الخبر أنّ محلّة الصبايحية كانت قادمة من جبل عمدون أخذها من أتباع علي باي القائد مصطفى سبنيور ومن معه من الأعراب، فخرج محمّد باي من فوره من المسجد وجدّ في سيره، ومن الغد بعث برؤوس الأعراب لتسكين الفتنة، والأراجيف كل يوم تتزايد.

ولمّا تمّ من إفريقية توجّه نحو القيروان لأنّه بلغه نفاق وسلات، فسار إليه وحاصره من جميع الجهات وبعث / إليهم جماعة من المرابطين، فرضوا بأداء المال فلم يقبل منهم إلاّ أن ينزلوا على حكمه، فخافوا من ذلك ورضوا بالموت في منازلهم، ثم بعث إلى تونس فأمدّوه بعسكر ثان في شوّال سنة سبع وثمانين (١٩١)، ورجع في أثناء ذلك إلى تونس، واستحكم من العسكر بما أراد، ورجع من فوره إلى محلّته، وتتابعت رسله إلى أهل الجبل، ولم يتم له ما أراد فعزم على إستئصال الجبل من أوّله إلى آخره، فهيّأ له جموعه بعد ترادف العساكر عليه من كلّ الجهات (١٩٢).

ودخل إلى الجبل من طرق شتى، ودهمهم أهله بما لا طاقة لهم عليه ولا قبل لهم به، فلمّا توسّط جل العسكر في الجبل وانتشب الحرب بين الفريقين كادت الدائرة أن تكون على أهل الجبل إلاّ أنه من قضاء الله المقدور ما اتفق أن علي باي كان في الجبل بطائفة من جماعته، وكان قائده مصطفى بكمين خارج الجبل، فلمّا سمع توسّط العسكر بالجبل بادر إلى المحلّة، وأخذ عدّة من الخيل والجمال وكاد يأتي على آخر المحلّة، فحاربه من بها من العسكر، ورموا عليه بالمدافع، فلمّا سمع من في الجبل من العسكر حسّ المدافع علموا بحادثة وقعت بعدهم، فوجلت قلوبهم وداخلهم الرعب، فولّوا منهزمين لا يلوي أحد منهم على أحد، فركب أهل الجبل ظهورهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ومات (١٩٣) جملة من رؤساء العسكر وخليفة الباي القائد محمد بن علي وجماعة من الأعيان، وكاد الباي / أن يقع في المكروه لولا أجله، فنجا بنفسه وترك المدافع في الجبل، ورجع إلى الأخبية بمن نجا (١٩٤) معه، ومن الغد رجع إلى المدافع وأتى بها ورحل إلى القيروان (١٩٥)، فمن هناك إتّسع الخرق على الرّاقع.


(١٩١) ديسمبر ١٦٧٦ - ١٦٧٧ م.
(١٩٢) في الأصول: «الجهاة».
(١٩٣) في الأصول: «وماة».
(١٩٤) في الأصول: «نجى».
(١٩٥) في ش: «ورحل القيروان».