للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عساكر الجزائر ففزع خليل، باي طرابلس، ففرّ بمن معه، فانثلم عسكر مراد باي، فظن النّاس أنّ مراد باي فرّ مع خليل باي وتبع الخيول بعضها، وبقيت رجالة العسكر وحدها، فعظم الأمر في الإزدحام، ولم يبق الاّ ضرب السّيوف فانهزمت عساكر مراد باي في تسعة عشر من ربيع الثّاني سنة إثنتي عشرة ومائة وألف (٤٧٢)، فرجع مراد باي لتونس وظنّ أنّ أهل الجزائر يتبعونه، فاستنفر أهل الكاف بأهاليهم فأدخلهم تونس، وكذا فعل بتبرسق وتستور (٤٧٣) وما حولها بلدا بلدا، وأخذ يتأهّب للقائهم، فلم تتبعه عساكر الجزائر، ولكن قطعوا رؤوس من كان معه من الزواوة (٤٧٤) وغيرهم من العرب (٤٧٥)، وردّوا عسكر مراد حفاة عراة بعد أن ألزموهم بجر المدافع السّتّة والعشرين الّتي استصحبها مراد باي عند خروجه من تونس عوض الخيل إلى أن وصلوا بها إلى قسنطينة على ظهورهم /.

ولمّا ورد عسكر مراد باي من قسنطينة وفّاهم مرتبهم وانتخب منهم خمسمائة نفر وكساهم كسوة عظيمة وبذل لهم من الإحسان فوق الحصر بحيث يأخذ قفة مملؤوة بأكياس الأموال ويخرج يده من طاق الصّراية ويضرب الكيس بالسّيف فينتشر ما فيه من الأموال، فيتخطّفها الرّجال وهو يضحك، ثمّ كيسا آخر وآخر فاستجلب بذلك ودّهم، وكان يأتيه الجندي بحمامة أو أرنب فيجازيه بما يكفيه مؤونة سنة، فصحّح خيله ورجاله وحصّن أبوابه وانتظر من يأتيه من عساكر الجزائر فلم يأته أحد، فلمّا تحقّق رجوعهم لوطنهم أخذ يتحدث في الرجوع إليهم.

وفي تلك الأيّام أرسل خليل باي إلى القيروان فتمّم سبيها وهتك حرمها، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وأخرج من بقي بها من الرّجال فجمعهم بذراع التّمّار فاستأصل رقابهم، ورجع جند طرابلس ومعهم أبناء المسلمين من القيروان وبناتهم، وأمر مراد باي بهدم القيروان لتجعل محترثا عدا المساجد والزّوايا.

ثمّ جهّز ثلاثة مراكب ليأتوه بالعسكر من برّ الترك وأمّر عليهم إبراهيم الشّريف وكان آغة صبايحية الترك، فاتفق أن كان هناك مراكب الجزائر فالتقى الجمعان بالحضرة


(٤٧٢) كذا بالحلل الّتي ينقل عنها المؤلّف ٢/ ٦٤٩، الموافق ٢ أكتوبر ١٧٠٠ وفي الإتحاف السّابع عشر منه ٢/ ٧٥ - ٧٦ والتّحريف كثير بين سبعة وتسعة، وصاحب الإتحاف يعتمد على الحلل السّندسيّة في أخبار الدّولة المراديّة.
(٤٧٣) في ش: «تاستور».
(٤٧٤) كذا في ب وط وت، وفي ش: «الزواودة»، وفي الحلل: «الزواويين» ٢/ ٦٤٩.
(٤٧٥) في الحلل: «ومن انضاف إليهم من جنس العرب».