للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخاقانية، وعرض كلّ من الفريقين أحوالهم واشتكوا من الآخرين فخرج التّوقيع على إيجاب الصّلح بينهم، فافترقوا على ذلك، فلمّا قدموا عليه بذلك أبى قبوله وقويت عزيمته على تحريك الفتنة معهم وأنّه يقصدهم.

وفيها عزل دالي محمّد الداي / وولّى عوضه قهواجي محمّد (٤٧٦)، وانفرد مراد بالأمر والنّهي في البلاد.

وفيها أمر أن لا يدخل عليه أحد من النّاس مطلقا إلاّ بعد نزع برنسه ومسك إثنين له من اليمين والشّمال، وكان يرسل خلف العلماء وأرباب المناصب ويسألهم عن سيرته فمن ساعده وزيّن له عمله وحسّن له قبايحه سقاه طوعا أو كرها شيئا من المسكرات، ومن أنكر وثبت على قدم الحقّ والصّدق هدّده بالموت.

ومن جملة عتوّه أنّه جهّز محلّته الصّيفيّة أوائل محرّم سنة أربع ومائة وألف (٤٧٧)، فلمّا خرج بالمحلّة المذكورة وقع نظره على الشّيخ محمّد شيشار رئيس المؤذّنين بجامع جدّه حمّودة باشا فقال له: ألست عسكريّا؟ ما لي أراك بغير سلاح في مثل هذا الموكب؟ وأمر خدمته بوثاقه ثمّ أرسل به من الغد إلى الدّيوان فجلده ثلاثمائة سوط وردّه للسجن مع كبر سنّه وعجزه عن حمل السّلاح، ثمّ أرسل لجميع المؤذّنين بجوامع الحنفية المعدودين من جملة العسكر فسجنهم وبعث بهم إلى الديوان، وأوصل كلّ واحد منهم خمسمائة سوط، ثمّ أرسل لهم طبيبا يختبرهم فمن وجده لم يؤثّر فيه الضرب أعاده عليه فتفطّرت من ذلك الأكباد، وضجّت العباد، واقشعرّت البلاد، وربّك بالمرصاد.

فاتّفق أنّه مكر بهم يوم السّبت فما أتى السّبت الّذي يليه إلاّ ورأسه على رمح يطاف به في الأسواق، وسبب ذلك أنّه لمّا خرج بتلك المحلّة، توجّه لنحو باجة مصرّا على الإرتحال للجزائر / ولم يرتض ذلك أحد من العسكر، فلمّا نزل وادي الزّقاق جدّد ذكر عزمه للجزائر، وبيت تلك اللّيلة على الرّحلة، وركب من الغد في كرّوصته وسار على عادته إلى أن بلغ وادي الزّرقاء (٤٧٨) ويسمّى وادي البول هجم عليه إبراهيم الشّريف الّذي كان وجّهه لجلب العساكر من برّ الترك فرماه ببندقية (٤٧٩) زنتها أربعة وعشرون


(٤٧٦) في ط وب: «محمّد الدّاي».
(٤٧٧) أواخر ماي ١٧٠٢ م.
(٤٧٨) في الأصول: «الزرقة»، والتّصويب من الحلل ٢/ ٦٧٣.
(٤٧٩) في الأصول: «بندقة».