للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفاوز وقاصي الدّيار، فقطع آثار كلّ جبّار عنيد بعد جهد جهيد، وكان مؤيّدا في حروبه يحصل لأهل الزيع إزلاق أمعائهم بمجرّد سماع ذكره، وبعد ما طوّع طغاة البوادي طوّع طغاة النّصارى، فهابه المعاهد والمحارب، فأسعفوه بمطلوبه وسالموه في حروبه، وكان - رحمه الله تعالى - منتبها لجميع الشّؤون، وله نوادر وغرائب تتّبعها يخرج بنا عن الإختصار.

ومن نباهته وحزمه صارت الملوك يسألون عن مآثره ليسلكوها وآثاره ليقتفوها، فمن أغرب نكته أنّ رجلا زيّاتا اشترى قلّة سمن وطبخ عشاءه في دكّانه بالسّوق، وجعل فيه شيئا من ذلك السّمن، فلمّا فارت البرمة مرّت به إمرأة فتعلّقت نفسها بشهوة / الأكل من ذلك الطّبيخ، فألجأها الحال أن سألته أعطني (٥٦٥) شيئا من ذلك الطّعام، فلم يسعه إلاّ إسعافها خوفا أن يكون بها حمل فتزلق حملها، فدخلت للدّكان وناولها شيئا منه، فلمّا أكلت منه كان في ذلك أجلها فماتت، فاحتار الرّجل ولا علم (٥٦٦) لموتها سببا، فغلق دكّانه وبقي خائفا أن يفطن له أحد، فلما كان اللّيل أخذ المرأة فلفّها في حصير جديد كان (٥٦٧) عنده وأخرجها إلى مكان بعيد منه بحيث تنقطع عنه التّهمة (٥٦٨) ووضعها فيه، فلمّا أصبح الصّبح وإذا بالمرأة [وجدت] ميّتة، فأخبر الباشا - رحمه الله - بذلك، ففكّر ساعة وقال: في أي شيء وجدتموها؟ فقالوا: في حصير، فقال: عليّ بشيخ الحصريّين، فحضر، فقال: أتعرف هذا الحصير صنعة من؟ قال: نعرف، فعيّن رجلا من رجال الصّنعة فأحضر، فقال: بعته لفلان (٥٦٩) الزّيّات، فأحضر، فقال: هذا الحصير الّذي اشتريت من فلان وجد فيه إمرأة ميّتة، فكيف القصّة؟ أخبرنا بالواقع ولا بأس عليك، فأخبر بما وقع، فقال: وأين الطّعام؟ قال: حاضر، فأحضر فألقى منه لقمة لقطّة فلمّا أكلتها ماتت، ففكّر وقال: من أين وضعت السّمن؟ قال: من قلّة اشتريتها، قال: هل بعت منها لأحد، قال: لا، قال: هل أكلت منها؟ قال: لا، قال: أحضرها، فأحضرت فإذا هي لم ينقص منها إلاّ ما وضع في الطّعام فأمر بتكسيرها


(٥٦٥) في ط وت وب: «اعطاء».
(٥٦٦) في ط وت وب: «أعلم».
(٥٦٧) في الأصول: «كانت» وكذلك بقيّة الضّمائر العائدة على الحصير جاءت بصيغة التأنيث فصوّ بناها.
(٥٦٨) في ط: «منه».
(٥٦٩) في ط وب وش: «من فلان».