للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكسّرت، فإذا في أسفلها حيّة ميّتة، فعفا عن الرّجل / لعذره وأمر أصحابه الدّكّاكين (٥٧٠) أن لا يبعوا قلّة إلاّ بعد كسرها وتفقّدها، وأمر أصحاب السّمن أن لا يضعوه إلاّ بعد تفقّد الأوعية.

وكان فاضلا عالما مطّلعا على الأحكام الشّرعية والعادية، ولا يقدر أحد من أولي الأحكام أن يتساهل في جزئيّة ولا يولي أحدا ولو مقام التوثيق إلاّ بعد الإختيار الزّائد، وله توغّل في العلوم العربية، فشرح تسهيل إبن مالك (٥٧١) بشرح عظيم الشأن، فقبله علماء المشرق والمغرب وأقرّوا له بالفضل، وكان يسوس العلماء في تعليمهم ويحثّهم على تعليم العلوم النّافعة والكتب المتداولة وترقية المبتدئين ويحذّر من علوم الأوائل (٥٧٢) وأهل الأهواء، ويحذّر من الخوض في علومهم، ويشدّد النّكير على الخائض فيها وربّما نفاه من عمالته.

وكانت له غيرة زائدة على رعيّته ومهما سمع على بعض قوّاده ما يسوء رعيّته انتقم منه بالضّرب والسجن (٥٧٣).

واعتنى كثيرا ببناء المدارس فبنى أوّلا مدرسة بحومة عاشور من تونس، ورتّب فيها شيخنا أبا محمد سيدي عبد الله السّوسي (٥٧٤) - رحمه الله تعالى - وأخرى ببير الحجّار (٥٧٥) وهما معا للمالكية، ثم زاد ثالثة بالقشّاشين قرب جامع الزّيتونة وهي للحنفية، وجعل بها تربته، ثم زاد رابعة بالقرب منها للمالكية، وجعل شيخها الشّيخ أبا عبد الله سيدي محمّد الغرياني (٥٧٦) - رحمه الله تعالى - وجعل بكلّ مدرسة خزانة


(٥٧٠) في مكانها في ش: «بياض وشطب».
(٥٧١) إسم هذا الشّرح: «دفع الملم عن قراء التّسهيل بجلب المهم ممّا يقع به التّحصيل». منه نسخة في المكتبة الوطنية بتونس، ولعلي باشا ترجمة في الإتحاف ٢/ ١١٧ - ١٤٥.
(٥٧٢) هي الفلسفة وتشمل حسب المصطلح القديم العلوم الرّيّاضية والموسيقى والطّب والمنطق.
(٥٧٣) شديدا على العمّال. محترسا من عسفهم رادعا لعدوانهم، يحبّ أن يظلم وحده ويأنف أن يشاركه غيره فيه: الإتحاف ٢/ ١١٨ - ١١٩، وبه يتّضح وجه الحقّ، ويعلم ما في كلام المؤلّف من دعوى أنّه كانت له غيرة زائدة على الرّعيّة.
(٥٧٤) السكتاني المغربي، نزيل تونس، وشيخ المؤلّف (ت.١١٦٩/ ١٧٥٢) له ترجمة في كتاب تراجم المؤلّفين التونسيين ٣/ ٨٦ - ٨٨.
(٥٧٥) هذا المكان يقع بنهج الباشا الآن بالحاضرة.
(٥٧٦) أصله من جبل غريان بليبيا، قدم تونس واستقر بها، وعقبه موجود إلى الآن وهو راوية مسند فقيه صوفي. ووفاته بتونس في ١١٩٥/ ١٧٨١ أنظر تراجم المؤلّفين التّونسيين ٣/ ٤٥٩ - ٤٦٠.