للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الجهة الغربية (٦٨) التي تأتي منها الأودية ويصل إليها الماء بالمطر اليسير، فعرّفوا السّلطان بذلك، فجاء الجواب من السّلطان بالأمر بالشروع في العمل، ولمّا شرعوا في الحفر وأخرجوا التّراب من الأرض، وكان النّاس في شدّة العطش، ولم يكن الوقت أوان المطر أنشأ الله السّحاب، وأنزل من السّماء ماء مباركا بالقرب منها فسالت مياه بقدرها، واجتمعت فيما حفروه فانتفع النّاس به أيّاما ورأوه فألا حسنا، ومن ذلك الوقت لوقت التّاريخ لم تخّل سنة من السّنين إلاّ وتمتليء إما في أوّل السّنة أو وسطها أو آخرها، وفي ذلك دلالة على صلاح نيّة منشئها وقبول عمله لأنّه لله، وما كان لله دام واتصل.

ثمّ إنّ أهل البلاد اختاروا للقيام بأمرها في قبض المال وصرفه الحاج الأبر الفقيه النّبيه أبا عبد الله محمّد إبن الحاج الأبر الفقيه العدل الأمثل الشّيخ المسنّ الصّالح أبي العبّاس أحمد الشّعبوني، لأنّه أصلح رجل يقوم بهذا الشأن، ولأنّه قبل بناء الفسقية كان حفر بئرين غربي البلد، وفّق الله فيهما لعذوبة مائهما، كان قصد بهما سقي أشجاره فلمّا استعذبهما النّاس أوقفهما على المسلمين، فانتفع الناس بهما مدة، تقبّل الله عمله.

وأمر السّلطان - رحمه الله - أن يكون المال المصروف على / الفسقية من غلّة الزّيتون الجالي (٦٩) بغابة صفاقس ممّا لم يعرف له مالك لأنّه فيء للمسلمين ونظره للسّلطان، فبذل المعلّمون جهدهم وكذا القائد والمقدم حرصا على فعل الخير، وخوفا من عوائق الدّهر، فاغتنم النّاس الفرصة، وأمّن الله السّلطان، واطمأنّت الأوطان بقدر حسن نيّة السّلطان، فجاءت في أسرع زمان ورفق في المصروف بالنّسبة لغيرها، فيسّر الله الإتمام، وظهرت بركاتها للأنام، فاستبشر المسلمون وحصل للكلّ من الفرح والسرور ما لا يعلمه إلا الله، وأخبروا السّلطان بالتّمام واستبشر، واستقلّ (٧٠) المصروف، وعلم أنّ الأمر كان عناية من الله، تقبّل الله عمله وجعله سببا للسّعادة الأبديّة، وخلّد الملك في ذرّيّته، وأجرى الصّالحات على أيديهم.

ولمّا ظهرت بركاتها ونفعها، رغب أهل الخير في العمل الصّالح بأن جمعوا ما تيسّر من الأموال، وحفروا صهريجا عظيما ملاصقا للفسقية، وأبقوا سور الفسقية حاجزا بينهما، فلمّا حملت الأودية دفعت بقوّتها ذلك الحاجز، وكان بعض النّاس فوقه


(٦٨) هذه الفسقية ما زالت موجودة إلى الآن وتقع في وسط حديقة عمومية كما أشرنا.
(٦٩) الجالي في اللّغة الدّارجة «البرّي».
(٧٠) كذا في ط وت، إستقل أي وجده قليلا، وفي ش: «استقال».