للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليتها فتولتني الهموم وقد ... لقيت من سفري (١٥٢) في أرضها نصبا

قد عاين البحر قبحا (١٥٣) من جوانبها ... فكلّما همّ أن يدنو لها هربا (١٥٤)

قلت: من بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال، وكلّ شاعر يتكلم بمقتضى حاله، (فالأول كان صاحب بخت وسعد / فجاء في وقت سعيد ورأى ما يبسطه فنطق بمقتضى حاله) (١٥٥) (والثّاني كان منحوسا فنحست البلاد به فرأى ما يقبضه فنطق بمقتضى حاله) (١٥٦) والبلد على بخت أميره (١٥٧) فإن كان سعيدا سعد (١٥٨) به وإن كان نحيسا نحس (١٥٩) به وأمّا البلد (١٦٠) في حدّ ذاته فلا يقتضي سعدا ولا نحسا.

والرّوم والعرب لا تختصّ أذيّتهما (١٦١) بصفاقس، فإن أمّ إفريقية وبلاد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم هي مدينة القيروان بلا دفاع ولا نزاع، وقد أصابها من العرب وغيرهم ما يبكي الدّم بعد الدّمع - حسبما مرّ مفصّلا -، وهذه تونس كرسي إفريقية وقد أصابها من الأعراب والميورقي (١٦٢) والرّوم ما يذهل العقول - حسبما مرّ - وكلّ ذلك لا يوجب قدحا في القيروان وتونس، ولكن ما زالت الأخيار تمتليء بالأشرار من لدن آدم - عليه السّلام - وقد قال جلّ قائلا {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} الآية (١٦٣)، هذا إن صدق الشّاعر في شعره ونطق بمقتضى حاله، وإلاّ فكثير منهم يذمّ من لا يستحقّ ذمّا من كثرة هيمانهم فيتردّدون بين طرفي الإفراط والتّفريط في المدح والهجاء كما قال جلّ ثناؤه {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ} (١٦٤) الآية، على أنّا لو عملنا بقول كلّ شاعر وتمسّكنا به وطعنا فيمن طعن فيه لطعنا في أهل تونس وسوسة لقول التّجاني: وممّن


(١٥٢) في ط: «سفرها».
(١٥٣) في ط: «في».
(١٥٤) أنظر رحلة التّجاني ص: ٦٨ - ٦٩.
(١٥٥) ما بين القوسين ساقط من ط.
(١٥٦) ما بين القوسين ساقط من ش وب.
(١٥٧) في الأصول: «أميرها» والبلد مذكر.
(١٥٨) في ش وط وب: «سعدت»، وفي ت: «فسعدت».
(١٥٩) في الأصول: «نحست».
(١٦٠) في الأصول: «البلاد».
(١٦١) في ط: «اذايتهما».
(١٦٢) هو ابن غانية.
(١٦٣) سورة البقرة: ١٥٥.
(١٦٤) سورة الشّعراء: ٢٢٥.