للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيروان - المقدّم الذكر - فأظهر في نفسه التحيّل على قتل الولد نكاية لأبيه وطمعا في إدخال صفاقس تحت حكمه، فكتب للمكّني كتابا زوّره على لسان بعض الصّالحين يذكر فيه: إنّا نظرنا في ولدك فلان فرأيناه من الصّالحين وله نصيب على أيدينا من طريق القوم فلا بدّ من إرساله إلينا لينال ما كتب الله له من الطّريقة، وأرسل الكتاب مع رجل من خواص الشّيخ عرفة ذا دهاء وسياسة، وكان المكّني يعتقد الصّالحين ويخاف منهم كثيرا، فتحيّر المكّني وعزّ عليه ولده ولم يصبر على فراقه، وخاف من عصيان الشّيخ صاحب الكتاب (الّذي زوّره الشّيخ عرفة على لسانه) (٧٦) وخاف أن يدعو عليه بخراب ملكه إن لم يسعفه بإرسال ولده، ولم يتفطن أن الكتاب دلسة عليه من الشّيخ عرفة، فشاع الكلام في صفاقس أنّ بعض الصّالحين أرسل للمكّني يطلب ولده ليأخذ عليه العهد والطّريقة، فسمع بذلك الشّيخ عبد المولى السّيالة / وكان الشّيخ سيدي محمّد الكراي - رحمه الله - سافر لبعض شؤونه وعند سفره أمر تلميذه الشّيخ عبد المولى المذكور وقال له: احرس البلد بعدي، واحذر صاحب الخاتم والشّعرة، فلمّا سمع عبد المولى بالرّسول الذي قدم بالكتاب المدلّس بحث عنه، فقيل له: هو يلعب الشطرنج بسوق الرّبع (٧٧)، فقصده فوجده يلعب على دكّانة حانوت، فسلّم عليه وتأمّله، فوجد باصبعه خاتما، فقال هذا الخاتم وبقيت الشّعرة، فلاطفه بالكلام وصاحبه ثمّ قال له: لي إليك حاجة فلا بدّ من قيامك معي، فقام وسار معه، فخرجا من باب البحر حتّى دخلا مقام الشّيخ النونشي (٧٨) وهو الآن بالرّبض في الرّكن الجنوبي الشّرقي (٧٩) فقال له: أخبرني كيف قصّتك؟ فأخبره بأنّه مرسل من الشّيخ صاحب الطّريقة كما هو شائع، فأمره بإزالة العمامة من رأسه فأزالها فوجد الشّعرة، فلمّا رآها تحقّق أنّه هو الذي أوصاه عليه الشيخ سيدي محمّد الكراي، فقال له: يا هذا قد أوصاني شيخي وقال لي: إذا غبت فاحتذر من صاحب الخاتم والشّعرة، وأنت هو لا شك فيك، وأنت أرسلك الشّيخ عرفة تخدع الرّجل في ولده، فلمّا سمع مقالته خاف


(٧٦) في ط وب وت: «الذي زوّره الشّيخ عرفة الكتاب على لسانه».
(٧٧) من أهم أسواق صفاقس المسقوفة القريبة من الجامع الكبير، وسوق الربع يربط بين سوق الكامور وسوق الصباغين في اتجاه باب الجبلي، واختصّ سوق الربع ببيع المنتوجات الصوفية، وما يزال إلى حدّ اليوم على هويته التقليدية.
(٧٨) لعله الينوشي.
(٧٩) إندثر هذا المقام.