للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباقي الهلاك (٤٣) إلاّ أنّ النّاس مسكوا قلوبهم وتعاونوا على السّفر وإجراء المركب، فما زالوا على أسوإ حال حتّى بلغوا صفاقس بعد التي واللتيا، فمنعهم القائد من البقاء بالمرسى وأمرهم بالتّوجّه لتونس تحت نظر السّلطان فأبوا وقالوا: نحن أشفينا (٤٤) على الهلاك، فكاتب السّلطان فأكد عليه عدم قبولهم، فبلغهم ما أمر به السّلطان فأبوا إلاّ البقاء، فتهدّدهم وتوعّدهم بأشدّ الأذى، فأيسوا وسافروا وفي (٤٥) ظنّ المسلمين التّوجّه لتونس فأبى النّصارى إلاّ الذّهاب لمالطة - دمّرها الله -، فتنازعوا مع المسلمين في ذلك والمسلمون لا يعرفون السّفر، فما شعروا إلاّ وهم داخلون لمالطة - دمّرها الله تعالى - فسألهم أهلها: ما شأنكم؟ فعرّفوهم بحالهم فأمروهم بالخروج من مرساهم والسّفر حيث شاءوا، فامتنع النّصارى من ذلك فخوّفوهم بالحرق فلم يمتثلوا، فطلب المسلمون الذين في المركب من وكيل البلنسيان ويسمّونه قنصلا أن يكتري لهم نصارى يسافرون بهم، فقال:

لم أجد من يسافر معكم، فسألوه أن يفتدي لهم أسارى ويعطوا لهم فداءهم فأبى، وحاصل الأمر أنّه تعذّرت الحيلة وتعسّر السّفر بوجه ما، ولم يرض أهل مالطة ببقائهم خوفا أن ينزل منهم أحد فيقع فيهم الطّاعون لأنّهم يقولون بالعدوى فلا شكّ عندهم في وقوعها، فلمّا رأوهم غير ممتثلين لما أمروهم به من الخروج جمع الكفّار بمالطة بعضهم بعضا لينظروا في أمرهم، فاتّفق رأيهم على نزول الآدميين وحبسهم في حبس يتعذر / الفرار منه في مكان منعزل عن النّاس وحرق المركب بما فيه من جميع الأمتعة عدا النقد، فأنزلوا النّاس وغمسوهم في الخلّ وبخّروهم ببخور نتن الرّيح يكاد يزهق الرّوح، وكرروا عليهم ذلك مرات متعدّدة، وحرقوا المركب بما فيه، هذا بحسب ما حكم به أهل الكفر، وأمّا المسلمون أصحاب المركب فإنهم غير راضين بهذا الحكم من النّصارى.

ولمّا فرغت مدّة الحبس (٤٦) والتّبخير أخرجوا النّاس وأمروهم بالسّفر لبلادهم، فطلبوا منهم كتابا للسّلطان بتونس أنّ الحرق كان من غير اختيارنا خوفا أن يطالبهم التّجّار بثمن أرزاقهم إذا ادّعوا منهم تفريطا، فامتنع النّصارى من ذلك، فاستجاهوا برسول مولاي محمّد الشّريف إبن مولاي عبد الله - رحمهم الله وجعلنا في شفاعة جدّه صلّى الله عليه وسلم -


(٤٣) في ت: من الهلاك.
(٤٤) في ب: «شفينا» وفي ط وت: «أشرفنا».
(٤٥) في ط: «في».
(٤٦) ساقطة من ط.