للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأهل صفاقس، فلمّا فارقهم وجد سفن المالطيين فسألوه عمن لقيت (٣٣)، قال: لقيت سفن صفاقس، فرعب المالطيون ورجعوا مذمومين مدحورين، وأيسوا من بحر صفاقس.

وفي سنة خمس وتسعين ومائة وألف (٣٤) وقع الطّاعون بأرض مصر فاكترى أهل صفاقس مركبا من ريس من جنس البلنسيان، وشحنوه بالغزل والكتان والقماش وغير ذلك من بضائع مصر، وركب بعض التجّار / بها من أهل صفاقس وغيرهم وتوجّهوا لصفاقس، وبلغ خبر الطّاعون لسلطان تونس سيدي حمّودة باشا - دام علاه - فكتب لقائد صفاقس المرحوم القائد بكّار الجلّولي - رحمه الله برحمته الواسعة وعفا (٣٥) عنه - وأمره بأن لا يقبل من أتاه من برّ مصر وأن يوجّهه لتونس ليبقى تحت نظره مخافة من المسارعة بالنزول والدّخول للبلد (٣٦) فربّما يكون فيه ضرر على المسلمين لقوله عليه الصّلاة والسّلام: «لا يورد ممرض على مصح» أو كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «وإن كان الحقّ لا عدوى (٣٧) خوفا من ضعف يقين بعض النّاس فيفتتن في دينه» فحسم الشّارع المادة.

وعادة السّلاطين بتونس أنّ من كان به من الطّاعون يمنع النّزول حتّى تمضي عليه أربعون يوما (٣٨) فإن مات منهم أحد استظهروا (٣٩) بأربعين أخرى طمعا في السّلامة ونجاة الخلق، وحكم الفرار من الطّاعون والقدوم عليه معلوم وهو المنع، أمّا القدوم عليه فلأنّه يحرق القلوب، فعدم القرب منه أريح للسّرّ، وأمّا الفرار منه فلا فائدة فيه فإنّه في عنق الفار ولا يفيده الفرار شيئا.

وكان القائد - رحمه الله تعالى - شديد الحرص على تتبّع أمر السّلطان، وأمّا المركب فإنها لمّا سافرت من إسكندرية وتلجّجت البحر وقع في أهلها الطّاعون ومات منهم كثير من النّصارى والمسلمين، ومات ريس المركب فخلفه ولده، فقام (٤٠) بأمر المركب، (ولمّا مات أكثر (٤١) النوتية من النّصارى) (٤٢) وتعطّلت أحوال المركب / وخاف


(٣٣) في ط وب وت: «لقيته».
(٣٤) ١٧٨١، وفي الإتحاف كان ذلك في سنة ١٢٠٤ هـ ‍ / ١٧٨٩ م وهو مخالف للواقع.
(٣٥) في الأصول: «عفى».
(٣٦) في ش: «ليلا»، في ط: البلاد: «المدينة».
(٣٧) في الأصول: «عدوا».
(٣٨) ما يعرف بالكرنتينة وهي تعريب للأربعين، وتعرف بالحجر الصّحّي وحكّام تونس اقتبسوها من أوربا.
(٣٩) في ش: «فاستظهروا».
(٤٠) في ط: «فأقام».
(٤١) في ط: «كبير».
(٤٢) في ت: «وكان الموت في النصارى كثير».