للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرة في سنين متطاولة، فخرجوا سنة مائتين وألف إلاّ واحدا (٥٣) / في تسع مراكب في غاية ما يكون من الكبر {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} (٥٤) فرموا على بنزرت وسوسة شيئا كثيرا من البونبة حتّى أذوهم أذى شديدا، ثم قدموا لصفاقس، فباتوا ليلة واحدة ورموا ما قدروا عليه، فحاربهم المسلمون ومنعوهم من القرب من البلد، فذهب عملهم سدى هباء منثورا، وما أصبحوا إلاّ مسافرين، وكأنّهم مكثوا على صفاقس تحلّة القسم وخرجوا خائفين، {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ} (٥٥).

ولمّا دخلت سنة مائتين وألف (٥٦) استعدّ الكفّار بأقوى ما عندهم لقتال صفاقس بالخصوص فجمعوا كيدهم وعدّتهم وعددهم لما بينهم وبين صفاقس من العداوة السّابقة، وسمعوا أنّ البلاد قد أصابها من الطّاعون ما أصابها، فظنّوا أنّ البلاد تسوّغ لهم وأنّهم ينالون منها ما نالوا من بنزرت وسوسة، وكان اجتماعهم بمالطة فجعل كبيرهم يأمر بالمناداة (٥٧) في مالطة - دمّرها الله -: من أراد الذّهب والفضّة واللؤلؤ والجواري (٥٨) الحسان والسّبي الكثير فليتوجّه لصفاقس، فهزأ به أهل مالطة لما يعرفون من حرب صفاقس وشدّة بأسهم على الكفّار ومحبتهم في القتال في سبيل الله وما لهم من تعوّد بمحاربة الكفّار.

وعادة النّاس إذا أرادوا قتالا في البحر أن يكون خروجهم (٥٩) زمن المصيف لأنّه أطوع لمزاولة آلات الحرب من المدافع والبونبات، غير أنّ هؤلاء الكفرة الفجرة خافوا إذا تأخّروا لزمن المصيف يستعدّ النّاس لقتالهم، وخدعهم أهل مالطة / بأنّ مرسى صفاقس أقاصير لا يكثر هيجان بحرها، فعملوا على الخروج أواخر الشتاء فبلغ السّلطان بتونس - نصره الله - أنّهم قاصدون خصوص صفاقس، فجهّز لها ما تحتاجه من مدافع النّحاس ومدافع الحديد والكور والبارود أحمالا محمّلة، وقناطير مقنطرة وجميع ما تتوقّف (٦٠) عليه المحاربة من كلّ شيء أكثره، وجهّز عدة رؤساء عارفين بصناعة الرّمي


(٥٣) ١٧٨٤ - ١٧٨٥ م.
(٥٤) إقتباس من الآية ١٥٢ سورة الشّعراء.
(٥٥) سورة الأحزاب: ٢٥.
(٥٦) ١٧٨٥ - ١٧٨٦ م.
(٥٧) في ش وت وب: «المنادات».
(٥٨) في الأصول: «الجوار».
(٥٩) في ط وب وت: «حروبهم».
(٦٠) في الأصول: «يتوقف».