للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع ما عليه أهل البلد من المعرفة، فكان نورا على نور، وأمر عربان الوطن بالنّزول على شطوط البحر وأخرج النّاس أهاليهم إلى البساتين، وحملوا إليها جميع أثقالهم وتركوا البلد كقلب أمّ موسى، فخاف أهل البلد إذا إشتغل الرّجال بالقتال أن يقع من العرب تسوّر (٦١) على الحريم فكاتب السّلطان قائد العرب وعرّفه مهما يثبت أنّ أعرابيا دخل بساتين النّاس وأذاهم في حريمهم ليلا أو نهارا لأعذّبنه عذاب الهدهد، فقرأ عليهم كتاب مولانا السّلطان وحذّرهم بطشه وتوعّدهم بالوعيد الذي توعّدهم به السّلطان، فأعطوه عهودهم على الأمن والمسالمة، فعصمهم الله من المخالفة.

فلمّا كان خمسة عشر يوما من جمادى الأولى سنة إحدى ومائتين وألف (٦٢) وافق ذلك أوّل يوم من الحسوم (٦٣) جاء الخبر من قرقنة أنّ مراكب البلنسيان قدموا وأنّهم سائرون لنحو صفاقس، فاجتمع أهل البلد قاطبة خاصّتهم وأهل الحلّ والعقد منهم وعامّتهم وقائد البلد يومئذ القائد أبو الثّنا محمود إبن المرحوم القائد / بكّار الجلّولي - أعان الله الجميع على طاعته ووفّق الكلّ لصالح القول والعمل وحماهم من الخلاف والزّلل - فاتّفق الكلّ على كلمة واحدة وعصمهم من التّنازع ولو في شيء يسير ممّا يوجب الفشل، فأحضروا أوّلا أمين المهندسين رئيس البناء أبا عبد الله أسطى محمّد إبن المرحوم أسطى طاهر المنيف، وكانوا ابتدأوا إسقالة في مقابلة مرسى المراكب ليمنعوا مراكب العدوّ من القرب للبلد ولم تكمل، فأحضروا جميع ما تحتاجه الإسقالة ممّا يتوقّف عليه القتال، وبات النّاس على ساق الجدّ فما أصبحوا إلاّ وقد أحكموا الإسقالة غاية الإحكام وأحضروا بها ما يتوقّف عليه القتال من مدافع وكور وبارود وعيّنوا بها من يصلح للرّمي، وكذا فعلوا ببرج النّار وهو البرج الذي في ركن البلد الشرقي الجنوبي (٦٤) وكذا ببرج الربض (٦٥) - وهو أمام البرج المتقدّم - وبباب البحر وبالحصار وبكلّ مكان فيه نكاية للعدوّ، ونصبوا خياما على الإسقالة وساحل البلد من شرقها وغربها وعمّروها بحملة القرآن، وتنافس النّاس في


(٦١) في ت وط وب: «ستور».
(٦٢) ٤ مارس ١٧٨٧ م.
(٦٣) في القول الدّارج الحسوم نصفها فراريات ونصفها مارسيات، وهي سبع ليال وثمانية أيّام، تدخل في يوم ١٠ مارس حسب التقويم الغريغواري (Gregorien) وهو يوافق يوم ٢٤ فيفري حسب التّقويم القديم ليوليوس قيصر (وهو المعروف عند العامة بالعجمي)، وتنتهي يوم ١٧ مارس بدخول الغاية وهو يوافق يوم ٤ مارس العجمي.
(٦٤) من السّور، وما زال معروفا بهذا الإسم.
(٦٥) الرّبض القبلي بباب البحر حيث المدينة الحديثة الآن ولعله يقصد البرج الذي بناه حمّودة السّلامي.