للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهم الرّعب والخوف / فبات المسلمون على مصافّهم منتظرين للقتال، فلمّا أصبح الصّبح أمر كبراء الكفّار رجال الأنشولات بالنّزول إليها ليقربوا من المسلمين بعض قرب فامتنعوا من ذلك وتنازعوا وقال كبراؤهم: أما اكتريناكم لهذا الأمر؟ فقالوا لهم: نحن ما حسبنا أن نلقى من صفاقس هذا الحرب، بل حسبنا أنّا من أوّل وهلة نرميهم فيفروا وننزل البلاد، وها نحن بطلت حيلتنا وضعفت قوانا، ومات أكثرنا، وتعطّب البعض منّا ولم نحصل على طائل، فقالوا لهم: أما ترون المسلمين ثابتين على دينهم يقاتلون؟ قالوا:

المسلمون متحصّنون ونحن في أجفان ملقاة على وجه المّاء، فإن رميناهم لم يصبهم رمينا وإذا رمونا أصابونا، ما لنا بهذا القتال طاقة، فرفقوا بهم ووعدوهم أوعادا خدعوهم بها وزادوهم في العطاء كلّ ذلك خوفا من الفضيحة لا سيّما ومراكب بعض أصناف الكفّار المعاهدين حاضرون يعاينون، فأيس الكفّار من الظّفر بشيء من المسلمين، فجعلوا يتجلّدون ويظهرون التّشجّع بشيء لا يجديهم إلاّ خسارة الدّنيا والدّين وفضيحة العاقبة، وكان عاقبة أمرهم خسرا.

فصبر الكفّار عدّة أيّام حتّى أصلحوا ما انثلم من سفنهم وبرئ جرحاهم وأرسلوا مركبا لمالطة لتجديد زادهم من الماء والطعام إذ لا طمع لهم في النّزول لبرّ الإسلام لأنّ الأرض مشحونة بالمسلمين من كلّ ناحية، فلمّا سكن الرّيح وهدأ (٨٠) الجوّ عادوا لإفسادهم ولكن برمي ظاهر الضعف والفشل / فأظهر المسلمون القوّة والنجدة، ولو كان للمسلمين سفن تضاهي سفنهم ما أمهلوهم لحظة واحدة ولعاجلوهم بالأخذ، ثمّ إنهم فرّقوا أنشولاتهم على جهات شتّى ليشغلوا المسلمين، فساق المسلمون لهم مدافع في مقابلة ما تفرّق منها، ومنعوهم ممّا أرادوا فلم يمهلوهم يقربون من البلد، وجعلت الخيول تجول حول البلاد وعلى ساحل البحر من جميع الجهات.

واتّفق في بعض الأيّام أن قدم بعض صنادل (٨١) من قرقنة (٨٢) فتلقّاهم النّصارى طمعا في أخذهم، فتسارع المسلمون لإنقاذهم بالخيل والرّجال في ساحل البحر، فحماهم الله تعالى {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً} (٨٣) فلامهم


(٨٠) في الأصول: «هدى» كما تنطق بالعامية.
(٨١) ج صندل، سفينة شراعية.
(٨٢) الحركة البحرية بين صفاقس وجزر قرقنة دائبة لارتباط حركتيهما الإقتصادية ببعضهما.
(٨٣) سورة الأحزاب: ٢٥.