للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كبراؤهم على أخذ الصنادل وهم في وسط البحر والمسلمون في البرّ، فقالوا لهم: رأينا خيولهم تركض في وسط الماء، وذلك لما ألقى الله في قلوبهم من الرّعب وهيبة المسلمين، ولمّا أيسوا من فائدة تعود عليهم من (٨٤) الأنشولات رجعوا لضرب البونبة من سفنهم الكبار بالليل، فعاجلهم المسلمون برمي المدافع فأفشلوهم وصار رميهم هدرا لوقوع أكثر ما يرمونه خارج البلد، وربما أصاب سور البلد شيء لا يضر، فيسارع النّاس إلى إصلاحه في أقرب من ردّ الطّرف (٨٥) فحمى الله سور المسلمين من أن يناله ما يؤذيه.

ولمّا أعيتهم الحيل والمسلمون لا يزدادون كلّ يوم إلاّ قوّة ونشاطا قال كبيرهم - لعنه الله - لرؤساء البونبة: إن أصبتم مأذنة المسلمين (٨٦) أو ناظورهم (٨٧) فلكم منّي كذا وكذا، وبذل لهم / مالا جزيلا في ذلك، فبذلوا جهدهم في ذلك ولم يحصلوا على طائل، فانقطعت آمالهم ولم ينالوا من المسلمين قلامة ظفر إلاّ صندل سمك تركه صاحبه بعيدا عن البلد لعدم إهتمامه به، وقيل إنّه طلع بالليل يتصيّد به خفية من النّصارى والمسلمين لأنّ المسلمين منعوا اصطياد السّمك خوفا أن ينال الكفّار منهم أحدا بسوء، فلمّا طلع الصندل ليلا أبصره الكفرة فنزلوا ليأخذوه، فلمّا أحسّ بهم نزل في الماء وجعل يسبح حتّى خلص، وأخذ الكفّار الصّندل، ولمّا رجعوا به لكبرائهم رأوا أن لا فائدة فيه، فرجعوا لمركب النّصارى المهادنين وقالوا لهم: أبلغوا المسلمين إن أحبّوا نرد عليهم صندلهم، فأجابهم المسلمون بأنّا ما تركناه في المكان الذي وجدتموه به إلاّ لعدم الحاجة إليه ونحن في غنية عن ألف منه ولنا منه كثير، وأمّا أنتم فقد صارت في وجوهكم فضيحة خسرتم أموالكم ورجالكم وترجعون لبلادكم بأسطولكم (٨٨) خائبين خاسرين من غير نتيجة، فهذه نتيجتكم أنّكم وجدتم صندل سمك لا قيمة له مهملا أخذتموه بهذا الأسطول (٨٩) وشجعانه فلا بدّ أن تصحبوه وتزخرفوه ليعظم صيتكم بهذه الغنيمة التي عجز عن مثلها أساطيل (٩٠) السّلاطين، أفّ لكم من قوم سفهاء لا عقل لكم ولا همّة.


(٨٤) في ت وب وط: «في».
(٨٥) في ط: «في أقرب من طرف العين».
(٨٦) يقصد مأذنة الجامع الكبير الذي يحتل قلب المدينة.
(٨٧) كان مرتفعا على سور المدينة الجنوبي المطل على الربض والبحر، وكان محاذيا لباب البحر (باب الديوان) من جهته الغربية، وما تزال آثاره باقية.
(٨٨) في الأصول: «أصطولكم».
(٨٩) في الأصول: «الاصطول».
(٩٠) في الأصول: «أصاطيل».