للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا كانت ليلة النّصف من رجب عادوا لفسادهم ليلا، فلمّا بلغ رميهم قريبا من تسعين بونبة إنكسرت (٩١) عليهم واحدة فقتلت رؤساء عملهم وعطّبت / منهم جماعة فبطل عملهم، وأصبحوا مسافرين فردّهم الله خائبين خاسرين لم ينالوا إلاّ خسارة الدّنيا والدّين. فكان مدّة مقامهم على البلد شهرين (٩٢).

ومن أغرب ما اتفق في هذه الواقعة أنّه قدم قبلها بمدّة يسيرة رجل من بلاد السّوس إسمه] الحاج محمّد السّوسي، وكان من العبّاد المتجرّدين وجاور بالحرم الشريف زمنا طويلا، فحضر هذه المواطن كلّها، وإنّه ملازم للإسقالة مدّة مقامه ليلا ونهارا، ويوم فرّق الكفّار أناشيلهم أخذ بيده سيفا وأشار بيده كالضّارب لأعناقهم مرّتين أو ثلاثا، ثمّ ناولني ذلك السّيف وأمرني بفعل ذلك مثل ما فعل هو فخرجوا ولم يرجعوا في الأنشولات حتّى سافروا، ولعلّ إشارته (٩٣) كانت لموت من انكسرت عليهم البونبة، ثمّ أخذه (٩٤) مرض حتّى خشينا عليه الموت، ثمّ تداركه الله باللّطف والعافية، ومدّة مرضه لم يقع من الكفّار حرب، فلمّا صحّ ورجعت له عافية حاربوا في الليلة التي انكسرت عليهم البونبة، فحضر تلك الليلة بعافية وسلامة، ولمّا سافر الكفّار سافر هو في ذلك اليوم، فسألناه عن ذلك فقال: لا بقي لي هنا مقام لأني البارحة رأيت سيّدنا عبد الله بن جعفر - رضي الله تعالى عنهما - إبن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه جماعة من المسلمين راكبين خيولهم، فقلت: ما شأنكم راكبين؟ قالوا: قد فرغ الجهاد من هذه البلاد فلا بقاء لنا هاهنا، فأنا الآخر فلا بقاء لي هنا، فسافر بعد ما أوصى بكثرة زيارة الإسقالة وعدم الغفلة / عنها وقراءة الفاتحة فيها لأنّه موضع إجتمع (٩٥) فيه أولياء الله، وبعد زمان قدم زائرا فمنع اليهود من الدّخول إليها وقال: هذا موضع الجهاد وتلاوة القرآن واجتماع الصّالحين لا يدخله اليهود.

ولمّا سافر الكفّار نزل رئيس مركب من الفرنسيس ومعه واحد من البلنسيان أسلم وأخبر بجميع ما حل بالبلنسيان من الموت والعطب وشدّة البلاء وجميع ما أصابهم وما وقع


(٩١) في الأصول: «انكسر».
(٩٢) ترجم نالينو ما كتبه مقديش عن حروب صفاقس مع البندقية ويراه مخالفا لما جاء في وثائق هذه المدينة، وذلك إثر تقديمه لمحمود مقديش وكتابه نزهة الأنظار في مقالة.
(٩٣) في ت: «الاشارة» وفي ب وط «اشارة».
(٩٤) في ش: «ثم انه أخذه».
(٩٥) في ط: «تجتمع».