للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم من أوّل الأمر، وأكثر ما يزيدهم قهرا أنّكم تحاربونهم وترقصون وتلعبون وتستبشرون وأنتم غير مكترثين بحربهم ولا سيما يوم سفرهم فإن المسلمين (٩٦) اتبعوه بالرمي بالكور، وخرج الكفّار وهم مذمومون مدحورون، والمسلمون في فرح وبشرى أن {رَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} (٩٧).

ولمّا دخلوا مالطة جعلوا يضحكون عليهم ويستهزؤون بهم وقالوا لهم: أين الغنائم والسّبايا التي كنتم توعدون؟

ولمّا انصرف الكفّار فكّر المسلمون في شأنهم وقالوا: ربّما استعدّوا بأقوى من هذا ورجعوا، فالأولى بنا أن نستعدّ للقائهم وأن نتّخذ (٩٨) أنشولات مثل ما عندهم، ونركب لهم فيها لمقاتلتهم، ونقمع بها أنشولاتهم ونقطع نكايتهم، فأمر السّلطان سيدي حمودة باشا - دام علاه ونصره الله - بإنشاء أربع أنشولات فهيؤوهم للقتال وأرسل الباشا علي القرمانلي (٩٩)، وفّقه الله لصلاح الدّارين عدّة مدافع إعانة للمسلمين، وكذا أرسل مهاريس لرمي البونبة، فازداد البلد / قوّة وعدة والمسلمون نشاطا وتأنّسوا بالحرب، وحصلت لهم جرأة قوية على العدوّ.

وفي سنة أربع ومائتين وألف يوم رابع شوّال (١٠٠) قدم من البلنسيان عدّة مراكب للقتال في البحر، وأرسوا على قدر عشرين ميلا من البلد، وقصدوا قطع طريق المسلمين فركب لهم المسلمون في عدّة سفن تليق بحربهم، فوقع بين الفريقين حرب شديد، وكان يوما مشهودا حتّى ذهل فيه كلّ فريق عن الآخر، ومات من كل مركب من مراكب النّصارى وتعطّب منهم شيء كثير، واستشهد من المسلمين أربعون وجرح ما يقرب من ذلك. ولمّا اشتغل كل فريق بما أصابهم وعجزوا عن أخذ عدوهم، رجع المسلمون بما نالوا من أجر الجهاد وشهادة من استشهد، وانصرف الكفّار بما نالوا من عذاب الدّنيا، {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى} (١٠١).


(٩٦) في ش: «المسلمون».
(٩٧) سورة الأحزاب: ٢٥.
(٩٨) في ش: «نتخذوا».
(٩٩) في الأصول: «علي قرمالي» تولى علي باشا القرمانلى السلطة في طرابلس من سنة ١٧٥٤ إلى سنة ١٧٩٣ م.
(١٠٠) ١٧ جوان ١٧٩٠ م.
(١٠١) سورة طه: ١٢٧.