للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمّا كان ذكر الأولياء (١٠) مستلزما / لذكر شيء من كراماتهم، دعت الضّرورة إلى ذكر مقدّمة مشتملة على بيان حقيقة الكرامة وجوازها وما قال النّاس في ذلك ليكون الواقف على ذكر شيء منها على بصيرة من أمره، فلا يسيء الأدب مع أولياء الله وإلاّ وقع في العطب من بعض الأولياء سيما من يعاصره، (وقد قيل) (١١) إعتقد ولا تنتقد (١٢) فمن إعتقد سلم، ومن إنتقد ندم. فنقول في حدّها: هي أمر خارق للعادة يظهر على يد الولي مقرون بالطّاعة والعرفان بلا دعوى (١٣) نبوة، فخرج بقيد خرق العادة العاديات ولو قلّ وقوعها كالخسوفات، وبقيد الإقتران بالطّاعة والعرفان السّحر والكهانة لأنّهما كفر، والشعوذة لأنّها امّا من قبيل السّحر فهو كافر، أو غيره شبيه به فهو فسق (١٤) والإستدراج لعدم الطّاعة وبلا دعوى (١٣) نبوة المعجزة فإنها مقرونة بدعوى (١٣) النبوة وتكون الدّلالة على صدق الولي وفضله، أو لقوّة يقين صاحبها أو غيره، وحكمها الجواز والوقوع


(١٠) التّصوّف إنتقل على مرّ الزّمن من علاقة روحية بين الإنسان وربّه واتخاذ موقف معيّن من الحياة إلى ظاهرة إجتماعية طرقية، وانفتح هذا الميدان الدّيني الرّوحي الذي كان خاصا بالعلماء إلى شتّى أنواع النّاس حتّى العامّة والأميين، وعرف هؤلاء بالفقراء، «وكثر الأولياء والأدعياء ونسبت إليهم الكثير من الكرامات والخوارق ومعرفة علوم الظاهر والباطن، واختلط الأمر بين الأحياء والأموات. . . وكثرت المزارات. . . وخصّصت لذكرها الكتب والرسائل، وقد أصبح بعضها حرما آمنا وملاذا للمجرمين والهاربين من السّلطة وضاقت الفروق في اللهجة أو زالت بين مفردات الولي والدّرويش والمرابط. . . وسيطر التّصوّف في العصر الحديث على الحياة العقلية سيطرة بالغة وكثرت ألوان الأدب الصّوفي في مؤلّفات الطّبقات والمناقب والسّلاسل والأوراد والأحزاب والوظائف والمرائي وشروحها كما تعدّدت ألقاب السّلّم الصّوفي من نحو القطب والأوتاد والأبرار والنّقباء والنّجباء والأبدال. . . ومن المتصوّفة من كان في حياته صادق التّصوّف ولكنّ النّاس بعد مماته جعلوا منه وليّا ونسبوا إليه ما لم يدّع. . . وكما مارس رجال الطّرق الصّوفية نفوذا واسعا على النّاس فقد أتيح لهم كذلك - أحياء وأمواتا - نفوذ وسلطان على الحكّام وكانوا الوسطاء بينهم وبين الشعب، وقد تحالف العثمانيون مع بعض الطّرق الصّوفية في سبيل هذه الغاية». فتمتّعوا بامتيازات مختلفة وقد تأثّر محمود مقديش بهذه المفاهيم كما سنلاحظه ممّا سيأتي من كلامه عن الصّوفيين والأولياء وكراماتهم في تحمّس عقائدي نستغربه من تلميذ تلاميذ الشّيخ علي النوري الصّفاقسي، الذي كان صوفيا، ولكنّه من الصّوفيين السّنيّين الصّادقين أفزعه ما آلت إليه النّزعة الصّوفية من إنحطاط فقاومها بإحياء طقوس السّنّة، وحذّر من إستعمال حلقات الذّكر والسّماع بآلات الطّرب والمنبّهات، ومنع بناء قبة على قبره حتّى لا تجعل العامّة منه وليّا.
(١١) ما بين القوسين ساقط من ط.
(١٢) هذا مما تسرّب من المسيحية وإلاّ فالقاعدة الإسلامية الصّحيحة: «إنتقد قبل أن تعتقد» لأنّ الإعتقاد لا يكون إلاّ بعد النّظر والدّليل وإقتناع العقل.
(١٣) في ش: «دعوا».
(١٤) في ش: «فسوق».