للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند أهل السنة ولو بقصد الولي على الأصحّ، وإن كان الغالب خلافه، ومن جنس المعجزات من الخوارق على الصّواب لشمول القدرة الإلاهية، لأنّ وجود الممكنات مستند إلى قدرته تعالى الشّاملة لكلّها فلا يمتنع شيء منها على قدرته تعالى ولا يجب.

ولا ريب أنّ الكرامة أثر ممكن إذ لا يلزم على فرض وقوعه محال لذاته، فهي جائزة وواقعة حسبما نطق به القرآن والحديث النبوي. أمّا القرآن فكقصّة أصحاب الكهف حيث / أقاموا فيه ثلاثمائة سنة وأزيد نياما أحياء بلا آفة ولا غذاء وليسوا بأنبياء بإجماع الفرق، وكقصّة مريم - عليها السّلام - حملت بلا ذكر، ووجد عندها زكرياء رزقا بلا سبب، وتساقط عليها الرّطب من نخلة يابسة بلا موجب، وكقصّة آصف (١٥) حيث أحضر عرش بلقيس من مسافة بعيدة (١٦) في طرفة عين، وليست كرامة مريم معجزة لزكرياء، ولا إرهاصا (١٧) لعيسى - عليهما السّلام - لأنّ المعجزة لا بدّ أن تكون مقصودة مقرونة بدعوى النبوّة تحقيقا ليدل على صدق مدّعي الرّسالة، ولا كذلك قصّة مريم إذ زكرياء لا علم له بها ولا بسببها فلذا سأل وإلاّ لما سأل بقوله: {أَنّى لَكِ هذا} (١٨)، ولو كانت إرهاصا لما علمت (١٩) مريم من أين حصل ذلك لها، ولا أجابت بقولها: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ} (٢٠)، وأيضا فإن الخوارق إنّما سيقت في الآيات لتعظيم حال مريم، ولا ذكر فيها لزكرياء ولا لعيسى بالقصد، وليست قصّة آصف معجزة لسليمان إذ لم تقع على يده بل على يد آصف، نعم قيل إن المراد بالذي عنده علم من الكتاب هو سليمان - عليه السّلام - فلا دليل حينئذ في الآية.

وأمّا المنّة (٢١) فلحديث جريج الرّاهب الذي كلّمه الصّبي في المهد، حيث قال له: يا غلام من أبوك؟ فقال: الرّاعي الذي زنى بأمّه ممّا هو مذكور في الصّحيحين (٢٢)


(١٥) هو إبن برخيا.
(١٦) من اليمن إلى القدس بطلب من سيّدنا سليمان النّبي الملك - ص: -.
(١٧) هو الأمر الخارق للعادة الذي يظهر قبل النبيء.
(١٨) سورة آل عمران: ٣٧.
(١٩) ساقطة من ش.
(٢٠) سورة آل عمران: ٣٧.
(٢١) في بقية الأصول: «السنة».
(٢٢) عن أبي هريرة في ذكر الأطفال الذين تكلّموا في المهد، وهو حديث طويل، وصاحب جريح ترتيبه الثّاني في الحديث.