للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فضربه على وجهه فطارت يده مع الضربة فأبصره رجل فشدّد النّكير عليه وقال له: كف كف إنّ هذا لشيء عظيم، فقال: والله ما أردته / وإنما ربّ الجثّة غار عليها.

العشرون: التّطور بأطوار مختلفة وأشكال متباينة ومنه ما وقع لقضيب البان الموصلي أنّ فقيها أنكر عليه لكونه لم يصلّ، فتطوّر له في الفور في صور مختلفة، فقال: في أي صورة من هذه الصّور لم ترني أصلّي.

والصّوفية يثبتون عالما متوسّطا بين عالم الأجسام والأرواح يسمّونه عالم المثال (٥٤) واستأنسوا بقوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا} (٥٥).

ووقع أن بعض العلماء رأى فقيرا يتوضّأ في المدرسة الصّوفية وضوءا مشوّشا غير مرتّب فقال: حرام عليك، فقال: لم أتوضّأ إلاّ مرتّبا وإنما أنت أعمى لو أبصرت لأبصرت هكذا، وأخذ بيده فأراه الكعبة والطّائفين وهو بمصر.

قال في روض الرّياحين (٥٦): وقد سمعت سماعا محقّقا أنّ جماعة شوهدت الكعبة تطوف بهم طوافا محقّقا قال: ورأيت من شاهد ذلك من الثّقات (٥٧) بل من السّادة العلماء وقال: قال بعض الكاملين: إظهار الكرامة وإخفاؤها على حسب النّظر لأصلها وفرعها، فمن عبّر عن بساط إحسانه أصمتته الإساءة مع ربّه، ومن عبّر عن بساط إحسان الله إليه لم يصمت إذا أساء، وقد صحّ إظهار الكرامة من قوم، وثبت العمل في إخفائها عن آخرين كالمرسي في الإظهار وابن أبي جمرة في الإخفاء، حتّى قال بعض أتباع إبن أبي جمرة: إن طريقهما مختلف فبلغه، فقال: والله ما اختلفت طريقتنا قطّ لكنه بسطه بالعلم وقبضني بالتّورّع، وقال بعضهم: من النّاس من يغلب / عليه الفناء بالله فيظهر الكرامات وينطلق لسانه بالدعاوي من غير احتشام ولا توقّف، فيدّعي بحقّ عن حقّ لحق في حقّ، كالكيلاني وأبي يعزى وعامة متأخري الشّاذلية، ومنهم من يغلب عليه الفقر إلى الله تعالى فيكلّ لسانه ويقف مع جانب الورع، ومنهم من تختلف أحواله فتارة وتارة، وهو أكمل الكمال لأنّه حال المصطفى صلّى الله عليه وسلم لأنّه أطعم النّاس على صاع وشدّ الحجر على بطنه، ثمّ قال: قال في روض الرّياحين: النّاس في الكرامة أقسام:


(٥٤) لعلّهم أخذوه عن أتباع أفلاطون لأنّ أفلاطون هو المثبت لعالم المثال.
(٥٥) سورة مريم: ١٧.
(٥٦) هو لليافعي وهو مطبوع.
(٥٧) في ش: «الثقاة».