للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم من ينكرها مطلقا وهم أهل مذهب معروفون، وعن الهدى والتّقى (٥٨) مصروفون، ومنهم من يصدّق بكرامة من مضى دون أهل زمنه، وهم كبني إسرائيل صدقوا بموسى حين لم يروه، وكذّبوا محمدا حين رأوه مع كونه أعظم، ومنهم من يصدّق بالأولياء في زمنه لكنّه لم يصدّق بأحد معيّن وهذا محروم من الإمداد لأنّ من لم يسلم لأحد مؤمن (٥٩) لا ينتفع بأحد أبدا.

ثمّ إن ظهور الكرامة لا يدلّ على أفضلية صاحبها بل على فضله، وقد يكون غيره أفضل منه، فالأفضلية إنّما هي بقوة الإيقان وكمال العرفان، ولهذا قال سيّد الطائفة الجنيد: مشى (٦٠) رجال على الماء ومات بالعطش أفضل منهم.

ولمّا كانت رتبة النبيء أعلى وأرفع من الولي، كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبيء على وجه الإعجاز والتحدي أدبا معه، وقال السّبكي: معاذ الله أن يتحدّى نبيء بكرامة ظهرت على يد ولي، بل لا بدّ أن يأتي النبيء / بما لا يوقعه على يد الولي، وإن جاز وقوعه، فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا اهـ‍.

قال الشّيخ إبن عربي: الشّيخ أبو السّعود إبن شبل أعلى مقاما من شيخه عبد القادر الجيلاني لإعراضه عن التّصرف الذي يفعله الشّيخ عبد القادر، وقال عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلام: من أدل دليل على القوم (٦١) قعدوا على أساس الشّريعة، وقعد غيرهم على الرّسوم ما يقع على أيديهم من الخوارق، ولا يقع شيء منها من فقيه إلاّ أن سلك طريقهم.

وقال الشّاذلي (٦٢): لا يعطى الكرامة من طلبها ولا من حدث بها نفسه، وقال:

إبتلى الله هذه الطّائفة بالخلق سيّما أهل الجدال، فلما ينشرح صدر واحد منهم للتصديق بولي معين من معاصريه يقول: نعم إنّ لله أولياء لكن أين هم؟ وقال: لكلّ ولي ستر أو ستور، فمنهم من ستره بالأسباب، ومنهم من ستره بظهور العزّة والسطوة والقهر على حسب ما يتجلى الحقّ سبحانه وتعالى لقلبه، فيقول النّاس: ما هذا بولي وهو في هذه النّفس، وذلك أنّ الحق إذا تجلى في قلب عبد بصفة القهر أو بصفة الإنتقام كان


(٥٨) في ش: «التقا».
(٥٩) ساقطة من ط.
(٦٠) في ش: «مشا».
(٦١) في ط: «على أن القوم».
(٦٢) أبو الحسن.