في يده، فإذا ألقى علي مسألة وزاد فيها من غير المدوّنة وقفت ولم أدر ما أجاوبه، فيقول لي: أنت كرجل لا يعرف غير طريقة واحدة، فإذا عرضت له أخرى وقف.
وكان أبو إسحاق لا يفتي إلاّ أن يسمع من يتكلّم بما لا يجوز، فيردّ عليه أو يرى من يخطيء في صلاته.
قال الشّيخ أبو الحسن القابسي في أوّل سفرة سافر إليه: أوّل ما قربنا من جبنيانة دخل قلبي منه رعب وهيبة عظيمة وقلت لأصحابي: إني خشيت أن يجري على لسان هذا الشّيخ الجليل من أحوالنا ما يظهره الله للنّاس، فوجدناه غائبا، خرج ليصلّي على جنازة في إحدى القرى، قال: فلمّا جاء وقت الصّلاة وأذّن فما هو إلاّ أن وقع أذانه في أذني ما ملكت نفسي حتّى جلست إلى الأرض وسمعت أذانا ما سمعت مثله، ثمّ دخلنا المسجد فلا أسمع أحدا يتكلّم إلاّ أن سلّم سلاما خفيفا، قال: فلما صلّى انصرف فسلمنا عليه، فكان منه إقبال ودعاء.
وكان قبل دخولنا جبنيانة تكلّم منّا بعض أصحابنا فقال: أنا رجل من العرب، وقد خطب إلى ابنتي رجلان / من الموالي صالحان، فإن زوجتهما لم يطب على قلبي، وإن رددتهما خشيت أن لا أجد مثلهما، قال: فكان أوّل شيء سمعناه من الشّيخ لمّا أن جلس بعد الصّلاة قال: كان لسحنون بن سعيد صاحب من العرب، وكانت له بنت خطبها إليه رجل من الموالي، فالتمس خلوة من سحنون ليشاوره فلم يجد حتّى خرج إلى السّاحل فأخبره، فقال له [سحنون] زوّج من له دين ومروءة، ولو إنفلقت عنه بعرة، يعني كان غير معروف النّسب، ثمّ حوّل أبو إسحاق وجهه إلى صاحب البنتين فقال:
كذا قال سحنون، قال: فقلت له: قد أفتيت في مسألتك على لسان الجبنياني.
قال أبو الحسن: ثمّ سألته أن أذكر له إسمي فمتى ذكرني دعا لي، فقال لي: بل أدعو لك في جماعة المسلمين، فقلت له: بل تخصّني، فقال لي: أرأيت من أودع وديعة فضيّعها، أليس يضمن كما يضمن المتعدي؟ فقلت بلى، قال: فما دعا (١٢٨) الإنسان إلى شيء إن ضيعه صار كالمتعدي قال: فقلت له: فلا عليك أن أعرفك باسمي، فإن نشطت للدعاء لي دعوت وإلاّ تركت، قال: لا. ثمّ أخذ بيدي فرآني كئيبا إذ لم يقبل منّي ما سألته فيه، فقال: ما اسمك؟ فقلت له: علي، فقال لي: أبشر يا علي! أعلى الله قدرك في الدّنيا والآخرة، ثمّ لمّا قرّبت لي دابتي لأركب أخذ بركابي،