للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشّيخ أبو القاسم اللبيدي (١٦١): بتّ ليلة عنده فسمعته وقد طلع إلى فراشه وهو يبكي، وزوجته تعذله (١٦٢) وتقول له: تبكي تصلّي، وتبكي تمشي (١٦٣) وتبكي في فراشك أيضا، فقال لها: ولم لا أبكي؟ والله لا بكى أحد على ذنوبي غيري أبدا، ثمّ غلبته العبرة، فترك النّوم وأحيى ليلته.

وكان مجاب الدّعوة، واجتمع بالشّيخ [أبي] محمّد بن أبي زيد فجرى (١٦٤) بينهما بكاء شديد وذكر، فلمّا أراد فراقه قال له عيسى: أحبّ أن أكتب إسمي في البساط الذي تحتك، فإذا رأيته دعوت لي، فبكى أبو محمّد وقال: قال الله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} (١٦٥) فهذه دعوتي لك، فأين عمل صالح يرفعه؟ وكذا إجتمع بأبي الحسن القابسي، فتذاكرا وبكيا حتّى سقط كلّ واحد منهما على ظهره، فما اجتمعا بعدها.

وجعل (١٦٦) على نفسه بعد موت أبي إسحاق / أن لا يمرّ بناحية جبنيانة وما قاربها إلاّ زار قبره (١٦٧)، قال: فزرته يوم الجمعة فدعوت له، ثمّ عرض لي أمر يوم السّبت فمررت بالموضع فلم أزره وقلت: بالأمس كنت عنده، قال: فنمت فرأيته في المنام، فقال لي: يا أبا موسى: ما أقلّ الوفاء، تمرّ قريبا من قبري فلا تقف عليه، وتقول قد زرته بالأمس! فلم يترك زيارته حتّى مات.

وكان الشّيخ عيسى هذا - رحمه الله - كثير قيام الليل ولا ينام إلاّ قليلا، وربّما غلبته الخشية، فسقط على (١٦٨) الأرض على وجهه من قيامه للصلاة فيخدش وجهه.

وكان أكثر أصحاب الشّيخ أبي إسحاق فضلاء أجلاّء. فمن أصحابه أبو جعفر أحمد بن عيشون البكّاء، كان بكى حتّى ذهبت أشفار عينيه واتخذ الدّمع في خدّيه أخدودا، وكان كثيرا ما يسكن بقصر زياد، فيسكن في بيت في جوف المسجد، فيغلق


(١٦١) المناقب ص: ٤١.
(١٦٢) في الأصول: «تعزله».
(١٦٣) في المناقب: «كم تبكي، تصلي وتبكي، وتمشي وتبكي. . .».
(١٦٤) في ش، وت: «فجرا».
(١٦٥) سورة فاطر: ١٠.
(١٦٦) أي عيسى بن ثابت.
(١٦٧) مقام أبي إسحاق حيث قبره مشهور في هذه البلدة، ومزار أهل هذه المنطقة وغيرها إلى اليوم.
(١٦٨) في الأصول والمناقب ص: ٤٢: «في».