للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب المسجد وباب البيت إرادة أن لا يسمع قراءته أحد، وكان حزين القراءة إذا قرأ ترك أهل الأحزاب أحزابهم وبكوا لبكائه، حتّى تصير كأنّها مناحة.

ومن خيار الشّيخ أبي إسحاق عيشون بن يزيد، وأبو بكر بن داوود، كان عيشون كثير التلاوة والخشية وإطعام الطّعام وإحياء الليل والنّاس نيام، مجاب الدّعوة.

قال عيشون - رحمه الله - خرج زيان الصقلي من المهدية ومعه ثلاثمائة فارس حتى وصل جبنيانة، وافترقت خيله في تلك المنازل حولها، وجاء إلى مسجد الشّيخ وأمرهم أن يفرشوا له في ظله فنام في صحن المسجد، فذبحنا له ولرجاله / أرخة (١٦٩) وغنما، ثمّ دخلنا على الشّيخ وقلنا له: هذا الظّالم في مسجدك، فقال: أظننتم أنّي أترك الصلاة في المسجد؟ فلمّا كان وقت الصّلاة خرج، وكان يبتدئ الأذان من باب داره، فلا يصل إلى المسجد حتّى يتمّ الأذان، فكان كلّ من يسمع الأذان تدخل قلبه خشية عظيمة، فلمّا سمع زيّان أذانه جلس متّكئا على يديه، فلمّا فرغ الشّيخ أذانه دخل المسجد، فركع ثمّ جاء إلى زيان فجعل يديه على كتفي زيان وقال له: يا ظالم يا غلام الظالم، توضّأ وصلّ، فقال زيّان: نعم! ودخل أبو إسحاق المسجد، فأمرهم زيان أن يشدوا له على دابته، وركب بلا عمامة ولا خف ولا سراويل، وقال لخيله: والله لا أقام واحد منكم في هذا المنزل، فقال له رجاله: نفعل بهذا ونصنع، فقال لهم: اسكتوا فو الله لولا أنّه رفع يديه عن كتفي ما غرقت إلاّ في الأرض، وكان زيان طويلا سمينا.

قال الشّيخ أبو القاسم (١٧٠): دخلت على الشّيخ عيشون قبل موته بأيّام يسيرة، وهو مريض، وحبل معلّق من السّقف عند رأسه، فسألت إبنه إبراهيم عن الحبل، فقال: يتعلّق به بالليل ويصلّي.

وكان قلّما ينزع ثوبه للنوم ولا ينام إلا مغلوبا.

وكان يكثر من قول: لا يأتي بالخير إلاّ الله، لا يذهب السّوء إلاّ الله، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، لا يكاد يزول ذلك من لسانه.

قالت زوجته: ما نام معي على فراش قط، فإذا كان منه ما يكون من الرّجال مع نسائهم إغتسل وأحيى ليلته.


(١٦٩) كذا في المناقب، والأرخة هي العجلة الصغيرة في اللهجة الدارجة.
(١٧٠) اللبيدي في المناقب ص: ٤٣.