ولمّا أيقن بالموت / قال: أخرجوني إلى المكان الذي أجيبت فيه دعوتي أدعو فيه، وذكر أنّ النّاس كانوا يأتمنونه فأودعوه حليا ومتاعا فعمل اللصوص على قصره فأتوا بالشّموع والسلالم وطلعوا ففتحوا باب القصر فخلصوا ما في القصر، ولمّا نزلوا قطعوا علي صلاتي وقالوا: هات ما كان عندك من وداعة. فقلت: ما شاء الله، لا قوة إلاّ بالله، لا يأتي بالخير إلاّ الله، لا يذهب السّوء إلاّ الله، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فنزعوا ثيابي وتركوني في مئزر، وقالوا: يخرج من كلّ طائفة رجل يقتلونه في مرّة، فوقف ستّة نفر في ناحية، وستّة من ناحية ورفعوا سيوفهم ليقتلونني، فلمّا أيقنت بالهلاك رفعت رأسي تحت ظلال السّيوف إلى السّماء، فقلت: يا غياث المستغيثين أغثني، فوقعوا على ظهورهم وطارت سيوفهم من أيديهم، ونظرت إلى نفسي قائما في أعلى القصر لا أدري والله كيف رفعت وخرجوا هاربين.
ومن أصحاب الشّيخ أبي إسحاق محمد بن يزيد أخي مسرّة بن مسلم، فكان من الصّالحين المجتهدين في الدّعاء الشاكرين، كان يخفي الذّكر. وكان الشّيخ أبي زيد يوجّه إليه بالدعاء لما ثبت عنده من فضله، وكذا الشّيخ القابسي.
وكان نبت في ساق الشّيخ أبي إسحاق نبت، فقال له محمّد بن يزيد: داوه رحمك الله حتّى يطيب. فقال له: بماذا؟ فقال: بأغثاء البقر يسخن مع الزّيت ويلصق به يطيب، قال أبو إسحاق: هل عندك من بقر؟ فقال: لا. قال: هل تعلم بقرا أصله من حلال؟ قال له: / عند علي بن عيشون، قال: قد مات وترك ورثة فيهم (١٧١) أطفال من لنا بهذا.
ومات محمّد بن يزيد هذا في السّجود، قرأ سورة «ق» وسجد، فقبض في السّجود وهو من أهل قرية لبيدة، حضر جنازته قوم برؤيا رآها رجل صالح، نام بعد صلاة الفجر يوم موته قال: رأيت سليم بن عزوز كان رجلا استشهد بقتله ظلما وكأنّه راكب فرس، فقلت له: أين تريد؟ فقال لي: نحن جماعة الشّهداء مع عمر بن عبد العزيز، أذن لنا في حضور جنازة الرّجل الصّالح محمّد بن يزيد، يدفن اليوم بعد صلاة الظّهر بقرية لبيدة، فقال جيرانه: فلمّا أخبرنا بالرّؤيا قلنا له: نمضي، فإن كان حيّا زرناه وإن صدقت رؤياك صلّينا عليه، فأدركوا الصّلاة عليه وموضعهم بعيد.
ولم يخلّف محمّد بن يزيد إلاّ ثيابه الّتي كان يلبسها، فكفّن فيها، وصلّى عليه