للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشّيخ الجليل أبو حفص عمر بن مثنى (١٧٢) وكان من العلماء بالقرآن (١٧٣)، يجيد (١٧٤) رواية ورش وكان مقداما في الإعراب ومعرفة النّاسخ والمنسوخ والخاص والعام، والأحكام والتّفسير والعربية والحساب، والفرائض والفقه، وكان منقطعا في العبادة، كان أبو محمّد الصدفي يقول: ما رأيت في إفريقية (١٧٥) أعلم منه، لزم بعد وفاة مسرّة بن مسلم سكنى قصر زياد، يؤم فيه ويطلب النّاس عليه.

وكان ضحكه التّبسّم ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، إنما يجلس لقراءة القرآن أو لمذاكرة في علم أو لانتظار الصّلاة أو للذّكر، وكان من أعلم النّاس بالوثائق والشروط والبلاغة في التّرسّل، وكان من جلّة أصحاب عيسى بن مسكين، / مات وتركه صغيرا، فربّاه الشّيخ الجليل الفاضل أبو الحارث ليث بن محمّد بن صفوان، وكان ليث هذا من الفقهاء، وكان منقطعا في الزّهادة والإنزواء عن النّاس متبتّلا بقصر زياد، فإذا كثر النّاس عليه هرب.

ومن أصحاب عمر بن مثنى حمدون بن مجاهد، قال عمر بن مثنى: إذا انصرف حمدون بن مجاهد من المحراب وجد موضع سجوده مبتلاّ بدموعه، ولقد صلّى بنا القيام ليلة سبع (١٧٦) وعشرين من رمضان فبكى وأبكى، وتاب في تلك الليلة على يديه ممّن شرب (١٧٧) المسكر ومن غير ذلك نحو من سبعين رجلا.

وكان حمدون مشتهرا بالعلم. روى عنه أهل مصر وأهل المغرب ولا يكتب إلاّ ما يفهم، ويعجم كل مشكل. قال مسرّة بن مسلم: قال لي حمدون: كتبت بيدي ثلاثة آلاف كتاب ونيفا، ولعلّ الكتاب الذي أدخل به الجنّة ما كتبته بعد، وكان يحب نشر العلم وإذاعته.

وكان أبو حفص عمر بن مثنى من خاصة أبي إسحاق الجبنياني، وكان ينبسط معه ما لا ينبسط مع غيره، فقال للشّيخ يوما: إلى جانبي قوم يقال لهم بنو قراضة يتشيّعون ولا يسبّون أحدا، ولا يخالفون في صلاة ولا زكاة ولا صيام، فما ترى في السّلام عليهم


(١٧٢) له ترجمة في ترتيب المدارك ٤/ ٦٢٧.
(١٧٣) في المناقب: «بالقراءة».
(١٧٤) في الأصول وبعض نسخ المناقب: «يجود».
(١٧٥) في المناقب: «في خارج إفريقية»، ص: ٤٥.
(١٧٦) في الأصول: «سبعة».
(١٧٧) في المناقب: «يشرب»، ص: ٤٦.