للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا سمع أبو الحسن القابسي هذه الحكاية بكى وقال: {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} (١٩٦)، وأعوذ بالله من الفتنة في الدّين، واتّباع سبيل المفسدين.

قال أبو عبد الله النّجّار: مشيت مع أبي إسحاق في فتنة أبي / يزيد الخارجي حتى دخلنا قرية، فرأينا بعض أعراب أبي يزيد فاختفينا في حجرة في أقصاها حتى دخل فارس منهم بامرأة ذات هيبة وجمال يقودها يراودها عن نفسها، فلما أحسسنا به لم أستطع أن أمسك أسناني (مما تتقلقل) (١٩٧) من الخوف، وأما أبو إسحاق فوضع خدّه على كفّه وهو يتطلّع إلى السّماء ويدعو، فنزل الفارس عن فرسه وحلّ سراويله، وهي تتضرّع إلى الله تعالى أن يتركها، واستدعى (١٩٨) انتشار آلته فما جاءه من نفسه شيء فتركها، فانصرفت وانصرف، فخرجنا نمشي بعد ما ذهبوا، فلمّا صرنا في الفحص قلت: يا أبا إسحاق ألا ترى هذا البلاء الذي نزل؟ فقال لي: ما هو يا أحمق؟ قلت له: قتل الأنفس، وهتك الحريم، وذهاب الأموال، وخراب الدّيار، وقطع السّبيل، فأقبل علي وهو مغضب ويقول: أين هذا من أن يدعى الله عجلا في الأسواق، لو خرّت السّماوات على الأرضيين وهلك العباد أجمعون على هذه الكلمة لكان قليلا، قال ذلك وهو يبكي، ثم قال لي: يستعظم الناس هذا ولم يستعظموا أن يجعلوا ربّهم عجلا، ثم هم يقيمون على البيع والشراء والاغترار بالدّنيا.

فلمّا بلغ ذلك أبا الحسن القابسي بكى بكاء عظيما وقال: والله إنّه كما قال الجبنياني، ولا أدري كيف خلاص العباد من هذه المسألة يوم القيامة إن لم يتغمدهم الله برحمته.

وكانت وفاة الشّيخ أبي إسحاق / يوم الأربعاء سابع عشر من المحرّم فاتح سنة تسع وستين وثلاثمائة (١٩٩) ودفن شرقي جبنيانة (٢٠٠).

وجبنيانة من وطن صفاقس الشرقي، بينها وبين صفاقس مرحلة خفيفة، فهي من منازل صفاقس الراجعة إليها، فما ذكر مع الشّيخ من رجال الوطن فكلهم من رجال صفاقس، فلذا ذكرتهم.


(١٩٦) إقتباس من الآية ٦٧ من سورة البقرة.
(١٩٧) كذا في الأصول وفي بعض نسخ المناقب، وفي غيرها: «تتقلقل». «ومما تتقلقل بي».
(١٩٨) في الأصول: «استدعا».
(١٩٩) ١٤ أوت ٩٧٩ م.
(٢٠٠) في ت: «هذه جبنيانة».