للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيباني فلم أر أعقل منه (١٩٠)، ورأيت أبا الحسن الكانشي فلم أر أظهر حزنا منه، ورأيت أبا إسحاق الجبنياني فلم أر أزهد في الدّنيا منه.

قال الشّيخ أبو القاسم اللبيدي (١٩١): وكان من أصحاب الشّيخ جماعة من أهل العلم والعبادة لو ذهبت إلى ذكرهم لطال الكتاب.

وأما زوجة الشّيخ (١٩٢) فكانت في الفضل بمكان مكين، قيل لها: هل رأيت من الشّيخ شيئا تخبرينا به؟ فسكتت وأبت من القول. فلما مات الشّيخ سئلت فقالت: بينما أنا في ليلة مظلمة إذ رأيت نورا غشى الحجرة والموضع الذي به الشّيخ، وسمعت الحديث، فرعبت، وأقام (١٩٣) ذلك مدّة، فأحسّ بي الشّيخ وعلم أنّي يقظانة فقال لي: احذري أن تذكري ما رأيت ما دمت حيّا.

وكان الشّيخ أبو / إسحاق يؤخّر الظّهرين مخالفة للشيعة لأنّهم كانوا يلزمون النّاس بأدائها لأوّل الوقت، وربّما زاحموا الوقت فخاف الشّيخ أن يعتقد وجوب ذلك أو وقوعها قبل وقتها، واقتدى به أبو الحسن القابسي فكان يؤقّت للظّهرين.

وكان الشّيخ محبّا لآثار الصّالحين وحكاياتهم، ويكتب ذلك، وكتب بخطّه على ظهر كتاب الجنائز (١٩٤) حكاية يقول: بلغنا أن إبن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ضرب يوما مثلا للنّاس فقال: خرج رجل من مدينة فنصب فخاخا نائية عن الطريق وحيدة، قال: فوقع بين يديه عصفور، فأنطق الله الفخّ وألهم العصفور، فقال له العصفور: ما لي أراك نائيا عن الطّريق؟ فقال: اعتزلت شرار النّاس، فقال: ما لي أراك منحنيا؟ قال: نهكتني العبادة، فقال: ما لهذه العصا بين يديك؟ قال: أتوكّأ عليها من طول القيام، قال: فما هذه الحبّة في فيك؟ قال: أترصّد بها أبناء السّبيل، قال: وأنا منهم، قال: فدونك، فنقر العصفور الحبّة فصارت العصا في حلقه، فصاح: غاق غاق والله لا غرّني مرائي (١٩٥) بعدك. قال إبن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما - فهذا مثل قراء يكونون في آخر الزّمان.


(١٩٠) ساقطة من ش.
(١٩١) المناقب، ص: ٦٠.
(١٩٢) المناقب، ص: ٦٤.
(١٩٣) في ش: «قام».
(١٩٤) أي من المدوّنة، والكتاب مقصود به الباب.
(١٩٥) في الأصول: «مزائي».