للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولها له ترضيه ولا تسخط الله تعالى فوجدها ودعا له بها وهي: تولّى الله عنّا مكافأتك فيما ولّيت، وأراد بها الدّعاء عليه، ففرح وظنّ أنه دعا له ونجا بها منه.

وكان استنسخ (١٨٥) من الشّيخ أبي إسحاق كتابا فيه رقائق وحكايات، فقال لعبد الرحمان إبن الشّيخ أبي إسحاق: لعلنا نلاطف الشّيخ، أنا وأنت، لنسمع الكتاب عليه، قال: فجئنا إلى الشّيخ فقلنا له: أصلحك الله نقابل هذا الكتاب بين يديك، قال: إفعلا، فلما أخذنا في المقابلة قلت له: أصلحك الله على من قرأته وعمّن رويته؟ فأخذ الكتاب من يدي وقال لي: إنصرف، فقلت له: أصلحك الله، لو ترك العلماء الرواية لا نقطع العلم، وأنت تعلم ما جاء في الحديث فيمن كتم علما علمه أنه يلجم بلجام من نار (١٨٦)، فكان من ردّ الشّيخ وهو يبكي: أليس قد جاء في الحديث: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوّ له ينفون عنه تحريف القائلين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» فقلت: نعم، فقال لي شيخ جبنيانة: ليس بعدل حتّى تنقل شهادته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فانصرفت / عنه وأنا أبكي.

ولمّا قدم أبو حامد الخراساني لزيارة أبي إسحاق سلّم عليه وقال له: جئتك من خراسان زائرا، فقال له أبو إسحاق: إن صدقت فأنت أحمق، وإن قبلت أنا هذا منك فأنا أحمق منك، كيف تترك العراق ومن به من العلماء ثمّ حرم الله وحرم رسول الله والشّام ومصر، وتأتي إلى المغرب، إلى شيخ جبنيانة تقول له هذا؟ فبكى أبو حامد وقال له: لو لم يكن هذا لم آتك. ولمّا انصرف أبو حامد من المغرب قيل له: ما أعجبك ما رأيت بالمغرب؟ قال: رأيت أربعة لم أر (١٨٧) مثلهم قطّ، رأيت أبا الحسن علي بن محمّد بن مسرور الدّبّاغ (١٨٨)، فلم أر أكثر حياء منه (١٨٩)، ورأيت أبا إسحاق


(١٨٥) أي أبو عبد الله محمد الطومشي.
(١٨٦) يشير إلى الحديث الشريف «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيام بلجام من نار»، رواه الإمام أحمد في المسند وأصحاب السنن الأربع، أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، ورمز السيوطي لصحته. أنظر فيض القدير، ٦/ ١٤٦.
(١٨٧) ساقطة من ش.
(١٨٨) هو الفقيه العابد الورع، له رحلة إلى المشرق (ت. سنة ٣٥٩/ ٩٦٩ - ٩٧٠): ترتيب المدارك ٤/ ٥٢٥ - ٥٢٨، الديباج ٢/ ٩٨ - ٩٩ شجرة النور الزكية: ٩٤ وذكر أنه بقصر أبي الجعد أحد قصور المنستير.
(١٨٩) قال القابسي: «ما رأيت أكثر حياء من أبي الحسن الدباغ ما يكلمه أحد إلاّ احمر لونه ولقد كان أحيا من الأبكار» الديباج.