للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممّن يتقرقع عليه ثيابه، فلمّا سمعوا مقالته هربوا، وكانوا من بني نافد، وكان منهم ومن آبائهم وزراء وكبراء لبني الأغلب ولمن بعدهم.

قال أبو عبد الله المذكور عرفني بعض شيوخنا أنّ أبا العبّاس أحمد بن نافد، وزير بني الأغلب، منهم، وكان رجلا على السّنّة، وكان له إبن عمّ على البدعة، فبنى كل واحد منهما قصرا وجعل حوله بستانا بقرية بليانة، فأمّا أبو العباس فإنّه لمّا أكمل قصره وعملت له قبة عجيبة على باب قصره قال: ما تمنّيت إلاّ سماع العلم / فيها على سحنون بن سعيد، وكان إبن عمّه مباينا بعداوة أهل السّنّة، فخرج سحنون بن سعيد من قريته يريد قصر زياد لزيارة عبد الرّحيم المستجاب، فترك الطريق وأخذ غير الجادة فظنّ أصحابه أنّه غلط حتّى قرب من قصر أبي العبّاس بن نافد الوزير، فقال: إذا صرنا هاهنا فلا بدّ من زيارة أبي العبّاس، فأخبر أبو العبّاس، فخرج للقاء سحنون مع أصحابه راجلا فسلّم عليهم، فقال له سحنون: نحبّ أن نرى هذا القصر وهذه القبّة، فمشى معهم فيه، ثمّ جلسوا في القبّة ودعا سحنون بالبركة، ثمّ قال سحنون لأصحابه: أي شيء في أيديكم تسمعون؟ فقالوا له: كتاب الحجّ الأوّل من موطّأ إبن وهب، فقال: اقرؤوا، فسمعوه عليه في القبّة التي تمنّى أبو العبّاس ذلك فيها، ثمّ نهض سحنون ومن معه إلى قصر زياد فتقوّت بذلك نية أبي العبّاس في المذهب ونصرة أهله، وكان نصرة لمن يظلم من أهل السّنّة بعد ذلك اليوم. فلمّا أخبر أبو الحسن القابسي قال: هكذا يفعل من كان إماما داعيا إلى الله تعالى.

ومن أصحاب الشّيخ أبي إسحاق العالم العابد أبو عبد الله محمّد بن محمّد الطّومشي، كان من أهل الرّواية الواسعة، روى عنه خلق كثير، وكان زاهدا ورعا، لا يتكلّم عنده أحد في أحد من النّاس، وكان يقول: إني لأرجو أن ألقى الله وما اغتيب عندي أحد قط، وكان مجاب الدّعوة، وربّما نزل به ما يبلى به المؤمنون، فما يلجأ إلى أحد من المخلوقين، بل يستقبل / القبلة، فربّما قام اليومين بلياليها لا يبرح عن القبلة، ولا يخرج إلاّ لما لا بدّ منه حتّى تقضى حاجته، فأعجب بذلك أبو الحسن القابسي، وقد سقطت [أشفار] (١٨٤) عينية من البكاء والنّحيب ويهرب من مكان إلى مكان، وكان أمير قريته على غير مذهبه، وصاحب المرسى يعافيه من المظالم فلقيه يوما فطلب كلمة


(١٨٤) إضافة من المناقب، ص: ٥٦.