للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أصحاب الشّيخ أبي إسحاق موسى المعلّم كان / مشهورا بالعبادة وممّن كان سكن قصر زياد في آخر عمره وبه مات، وكان كتب أسماء إخوانه ليخصّهم بالدّعاء عنده غدوة وعشية ثمّ يدعو لسائر المسلمين.

وكان إذا سمع بامرأة فقيرة أرمل لا مال لها ولا جمال، ولها أطفال فقراء، تزوجها ليربي أطفالها، فاذا زوجهم وقاموا بأنفسهم فارق أمهم. حكى بعض أيتام تزوج أمهم أنّه قال: تزوّج أمّي وكانت لا مال لها ولا جمال ولا خلق حسن، وكانت تعاتبه على كثرة صلاته تقول له: كم تصلّي ولا تسأل عن شيء، فيقول: ما جئت رغبة فيك، إنّما جئت رغبة في هذه الأيتام، قال: فزوّج أختي وأدخلها على زوجها، وعلّمني القرآن وجعلني عند من يعلّمني النجارة، فلمّا اكتفينا فارق أمّي فبكت عليه، فقال لها: ما يبكيك؟ ما كنت راغبا فيك، فما لك في فائدة، الذي قصدت إليه قد وفّقه الله لي، يريد كفالة الأيتام.

ومن أصحاب الشّيخ أبي إسحاق الفضلاء عبد الله بن صالح، إختفى فلم يعلم به إلاّ بعد دهر طويل، وقد صار كشن قد تقطّع، وليس في بيته غطاء ولا وطاء إلاّ قطعة تليس على ظهره، وقطعة في وسطه، وقطعة من حصير أسود تحته، وقد اتّخذت الدّموع في خدّيه أخدودا، وله أخت متعبّدة، ماتا في يوم واحد، وسبب انقطاعه عن النّاس أنّه شهّر بصحبة أبي إسحاق فهرب، وكان من النّصحاء الفصحاء الدّعاة إلى الله تعالى.

ومن أصحاب / الشّيخ أبي إسحاق أبو عبد الله [محمد] بن أبي العبّاس المؤدّب يعرف بابن قشّاش (١٨٢) كان من العبّاد الصّالحين ومن أهل العلم، فكان أبو إسحاق يعرف حقّه ويقرّبه، وكان إلى جانب أبي عبد الله عين تسمّى عين العافية، إفتتن بها العامّة يأتونها من الآفاق، من تعذّر عليها نكاح أو ولد قالت: أمضوا بي إلى عين العافية. قال أبو عبد الله المذكور: فأنا في سحر ليلة سمعت أذان أبي إسحاق الجبنياني نحو العين فخرجت فوجدته قد هدّمها، وأذّن للصّبح عليها، ثمّ قال: اللهم إني قد هدمتها لك، فلا ترفع لها رأسا، فكان كما قال، ثمّ مشيت معه فأتاه قوم من خدّام السّلطان ينسبون إلى الاعتزال، فسلّموا عليه، وعليهم ثياب جدد، فنزلوا عن خيولهم للسّلام عليه فاعترض لنا كلب فرجمه إنسان عنّا (١٨٣) فقال له الشّيخ: دعه، فلعلّه خير


(١٨٢) هو كذلك في مناقب اللبيدي وعرف به ص: ٥٤ - ٥٥، وهو فيما يبدو قريب إبراهيم بن أحمد بن أبي قشاش، من أهل صفاقس، الفقيه الزاهد، له ترجمة في رياض النفوس ٢/ ٢٠١ - ٢٠٢.
(١٨٣) في المناقب: «انسان منا»، ص: ٥٤.