للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة تدعوه إلى ذلك / فهو مفتون، وكلّ من رأيتموه يدّعي (٣٤٠) مع الله حالة لا يكون على ظاهره منها شاهد فاحذروه، وكان يقول:

من تحقق بمقام العبودية لله - عزّ وجل - شهد أعماله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى (٣٤١) وأقواله بعين الافتراء، وكان يقول: ما وصل إلى مقام الحرية من بقي عليه من نفسه بقية، ويقول: لا تنظر إلى مشاهدتك له وانظر إلى مشاهدته لك، وكان يقول: الفقر نور ما دمت تستره، فإذا أظهرته ذهب نوره، وكان يقول: كلّ فقير كان الأخذ أحبّ إليه من العطاء فهو كاذب لم يشم رائحة الفقر، وقال: من لم يصلح لخدمته شغله بالدّنيا، ومن لم يصلح لمعرفته شغله بالآخرة، وكان يقول: من لم يخلع العذار لم ترفع له الأستار، وكان يقول: إياكم أن تتعدوا مقاما قبل احكامه فان ذلك يقطعكم عن كمال الوصول إلى حقيقته، وكان يقول: إياكم وصحبة الأحداث المبتدئين في الطّريق ولو كانوا أبناء سبعين سنة إلاّ بعد تعيّن ذلك عليكم.

ومكث - رضي الله تعالى عنه - سنة في بيته لا يخرج إلاّ للجمعة، فاجتمع النّاس على باب داره وطلبوا منه أن يتكلّم عليهم، فلمّا ألزموه خرج، فرأته العصافير التي كانت على سدرة في داره ففرت، فرجع وقال: لو صلحت للحديث عليكم لم تفرّ منّي الطّيور، فجلس في البيت سنة أخرى ثمّ جاءوا إليه فخرج، فلم تفر منه الطيور، فتكلّم على النّاس ونزلت الطّيور تضرب بأجنحتها وتصفق حتّى ماتت منها طائفة كثيرة / ومات رجل من الحاضرين.

وكان يقول: كلّ فقير لا يعرف زيادته من نقصه فليس بفقير. وكان يقول:

نسيان الحقّ تعالى طرفة عين خيانة من العبد يستحقّ بها العقوبة، وكان يقول: الحضور مع الحقّ تعالى جنّة، والغيبة عنه نار، والقرب منه لذّة، والبعد منه حسرة وموت، والأنس (٣٤٢) بذكره حياة، وكان يقول: من طلب الطّريق بلا توبة (٣٤٣) من سائر الآثام (٣٤٤) فهو جاهل. وكان يقول: من قطع موصولا بحضرة ربه قطع به، ومن أشغل


(٣٤٠) في ط وب وت: «يدعو».
(٣٤١) في ش وت: «الدعوا».
(٣٤٢) في ب: «الأقس»، وفي ط: «الانسان».
(٣٤٣) في ط: «تبرئة».
(٣٤٤) في ط وب: «الأنام».