للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدميه وهو في الهواء (٣٩٥)، فكان الشّيخ أبو عبد الله يقول: تقولون ذهب الرّجال؟ أنظروا إلى هذا البدوي.

قال وعمي في آخر عمره وكان إذا أخذ / المصحف نظر فيه.

ورأت أم يحيى مريم بالمنية من قطر صفاقس في منامها قائلا يقول لها: سر إلى الشّيخ أبي زكرياء المعروف بابن هناص بالمهدية وبايعه، قالت: فاستيقظت واستعذت بالله من الشّيطان الرّجيم ونمت، فعاد إليّ ثانية وثالثة فقال لي في الثالثة: ما أنا شيطان وإنّما أنا ملك. قالت: فسرت من بلدي إلى المهدية في طلب من ذكر لي، فلمّا دخلت البلد بقيت حائرة أتوسّم من أسأله يدلّني على موضعه، فبينما أنا كذلك إذ فتح باب دار فخرج رجل عليه ثوب وعلى رأسه قلنسوة دون عمّة، فقال لي على البديهة: أهلا ومرحبا بالمرابطة مريم على عدد ما مشيت من منزلك إلى هنا، والذي يخاطبك يعقوب الدّهماني، والذي خوطبت به في منزلك هو عندي في منزلي، قالت: فبقيت متعجبة لكشفه ما خوطبت به في منامي في بلدي ومخاطبته لي باسمي من غير سابق معرفة، فدخلت الدّار فوجدت بها زوجه أمّ يوسف ولم يكن عنده إذ ذاك غيرها، ووجدت الشّيخ أبا زكرياء عنده في خدمته، فأقمت عنده وقتا، فقال لي الشّيخ أبو زكرياء:

عليك بخدمة الشّيخ أبي يوسف فيما أمرت وحسبك ما خاطبك به أول ما رآك وكاشف بما رأيته في المنام وعن السؤال أغناك، قالت: فألزمت نفسي لطاعته من ذلك الزّمان إلى الآن، وكان عندها للشّيخ أبي يوسف زيادة تعظيم وهيبة واحترام لا ينحصر / طول حياته وبعد مماته، وكان لها قرب التّسعين أو الثّمانين، فكانت لا تجلس دون لحاف ولا تستطيع رفع الكلام عنده ولا النّظر إليه، ولا تقرب منه هيبة واحتراما.

ولمّا رجعت إلى موضعها ومرض الشّيخ أبو يوسف مرضا شديدا نقل إليها أنّه مات، فدهشت وأقعدت وسكنت دهرا لا تستطيع القيام، فلمّا برئ الشّيخ من ذلك المرض الذي قال فيه: سررت (٣٩٦) بولدين يزدادان لي، وأعيش إثني عشر عاما، فكان كذلك، فعند تمام عافيته وصحّته، وسمع بخبرها سافر لها، فلمّا قرب من موضعها قال: لا يخبرها أحد بي حتى أدخل عليها المنزل، فلمّا دخل قيل لها: الشّيخ طالع إليك! فقامت من زمانتها في ساعتها وتلقّته خارج باب البيت، وقالت: يا سيدي، قيل


(٣٩٦) في المعالم ص: ٢٢٢: «بشرت».