للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، فاجتمع أهل الحلّ والعقد من فقهاء الأزهر من جميع المذاهب وأرادوا تعيين رجل يوجّهونه إلى الحضرة، فكلّما طلبوا واحدا امتنع، وهابوا الأمر إذ لم يعرف / أحد (٨) على ماذا يقدم، فاتّفق رأيهم على تعيين الشيخ الشّاوي، وقالوا فيما بينهم: إن أجاب السّلطان عمّا سأله فرجل من فقهاء الأزهر، وإن عجر فهو مغربي ولا نقص فينا، فإذا عرفنا السّبب أعددنا له من يمشي على بصيرة. وكان الشّيخ الشّاوي - رحمه الله - رجلا بارعا في الأصول والفروع وآداب البحث والصّناعات الخمس، من علم النّظر وعلوم العربية والحديث والتّفسير وغير ذلك ممّا يحتاج إليه النظّار. وكان سريع الجواب، حاد الذّهن والفطنة، يسلك من كلّ باب أراده، فانعقد عليه إجماعهم، فقبل وامتثل، فسار بتلاميذه ولم يفارق دروسه إلى أن بلغ الحضرة الخاقانية، فتلقّاه أهلها بالإجلال والإكرام، وتقدّم للسّلطان - رحمه الله تعالى - وصافحه على مقتضى السّنّة، وكانت العادة تقبيل اليد من السّلطان، فتكلّم بعض من حضر في ذلك وقال: هذا سوء أدب مع السّلطان، ففهم مرادهم وقال: يا سيدي السّلطان عاملتك بآداب الشّريعة المطهّرة، سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم والأدب مع السّلاطين هو المحافظة على السّنّة إذ هذا المقام هو الأحقّ بإظهار السّنّة وشعائر الإسلام، ولمّا حصلت السّنّة فشرّفني بمناولة يدك السّعيدة أقبّلها فإني لا أستنكف عن تعظيم من أقامه الله تعالى لحفظ ملّة الإسلام وإذلال أهل الكفر والطّغيان، فعلم السّلطان صدق قوله فعافاه / من تقبيل اليد، وأمره بالوقوف على (ما رسم الشّرع (٩)، وقال: إنّي أحقّ منك بإعزاز هذا الدّين والمحافظة على) (١٠) رسوم الشّريعة (١١) فلا تزيدك المحافظة على السّنّة إلاّ محبّة منّي إليك، ورغبة في لقائك، فأظهر الشّيخ يحيى الفرح والسّرور بمحبّة السّلطان لحماية الدّين وإظهار شعائره وأكثر من دعاء الخير للسّلطان وعساكر الإسلام، فحصل له في ذلك المقام رفعة مقامه، وظهرت (١٢) نباهة شأنه.

ثمّ إنّه حصلت له مناظرة مع بعض فقهاء الحنفيّة في عدّة مسائل، ومن جملتها طهارة الكلب التي يقول بها إمامنا مالك - رحمه الله ورضي عنه - فقال: كيف تقولون


(٨) ساقطة من ط.
(٩) في ط وت: «رسوم الشريعة».
(١٠) ما بين القوسين ساقط من ت وب وط.
(١١) بعدها في ط: «وقال له».
(١٢) في الأصول: «وظهر».