للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بطهارته مع أنّه صلّى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب فيه (١٣) وما ذلك إلاّ لنجاسته، فأجاب الشّيخ يحيى على مقتضى أصول المذهب من أنّ علّة الطّهارة الحياة وهي حاصلة، والغسل سبعا إنّما هو تعبّد (١٤) إذ ريقه لا يكون أقذر وأنجس من البول والغائط مع أنّه يكفي في طهارة مصابهما زوال اللّون والطّعم والرّيح (غير ما تعسّر من اللون والرّيح) (١٥) ولو زال ما يطلب زواله بغسلة (١٦) واحدة، وطال الكلام في ذلك على (١٧) قواعد الجدل فقطعهم بالحجّة، ووقف (١٨) كلّ مع (١٩) مقتضى قواعد مذهبه.

ثمّ إنّ السّلطان - رحمه الله - عرّفه أن السّبب الذي أشخصه له هو أنّ والدته أخرجت صدقة من مالها على فقهاء الجامع الأزهر، [فقال له] فخذها / واصحبها معك للفقهاء ليفرّقوها بينهم، فقال: السّمع والطّاعة، ثمّ قال للشّيخ يحيى: تمنّ (٢٠) ما شئت من الدّنيا لتستعن به على طلب العلم، فقال: لا حاجة لي بشيء إذ يكفيني ما أنا عليه، وكان رجلا زاهدا متقلّلا من الدّنيا غاية، وكانت عليه أثواب المغاربة، وقال: لا أقدر على تغيير ما أنا عليه من أثواب وقوت، وقد ترى في أثوابي بقية فلا أدري أبليها أم أموت قبل ذلك، وعندي (٢١) من القوت ما يسدّ رمقي وما زاد على ذلك فهو فضول يقطعني عن العلم بالله تعالى، فألزم بطلب شيء ولو قلّ إذ في عدم الطّلب من السّلطان مع (إنعامه بالإقبال) (٢٢) الأمر بالتّمنّي إظهار تعاظم وسوء أدب معه بحسب جاري العادة، فقال:

إن كان ولا بدّ فاجعلني شيخ (٢٣) الجامع الأزهر، فكتب له بذلك ظهيرا، ورجع لمصر


(١٣) إشارة لقوله صلّى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرفه ثمّ ليغسله سبع مرات»: أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وله روايات أخرى فيها تغيير بعض الألفاظ مع اتحاد المعنى، والرواية التي فيها زيادة هي: «طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب».
(١٤) في ت: «تعبر».
(١٥) ما بين القوسين ساقط من ط.
(١٦) في ت: «يغسله».
(١٧) في ط: «مع».
(١٨) ساقطة من ب.
(١٩) في بقية الأصول: «على».
(٢٠) في بقية الأصول: «تمنى».
(٢١) في بقية الأصول: «وكان عندي».
(٢٢) ما بين القوسين ساقط من ط.
(٢٣) هذا ممّا انفرد به المؤلف ولا يعرف أنّه تولى مشيخة الأزهر، قال الشّيخ عبد الحي الكتاني، وللمترجم ترجمة نفيسة في «نزهة الأنظار في عجايب التواريخ والأخبار» للشيخ محمود بن سعيد مقديش الصفاقسي، أغرب ما فيها أنه تولى مشيخة الأزهر، فهرس الفهارس والأثبات ٢/ ١١٣٤.