للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عينه عمر بن الخطاب أخيراً على الجند في الشام.

وذكر ابن المبارك في الزهد أن عمر قدم الشام، فتلقاه الأمراء والعظماء فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا ثم قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع عندي؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي، قال: فدخل فلم ير شيئاً قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لبداً (١) وصحفة (٢) وشناً (٣) وأنت أمير، أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة: قد قلت: إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين يكفيك ما يبلغك المقيل، قال عمر: غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة (٤).

قال الذهبي: هذا واللَّه هو الزهد الخالص، لا زهد من كان فقيراً معدماً (٥).

ولما حصل طاعون عمواس بالشام مات منه الآلاف من المسلمين، وكان أبو عبيدة معه ستة وثلاثون ألف فلم يبق معه إلا ستة آلاف رجل، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك أن


(١) اللبد هي: الخرق.
(٢) الصحفة: هي إناء مبسوط مثل القصعة.
(٣) الشن: هي قربة خرقة وهي التي تستخدم في السقايا.
(٤) أبو داود في الزهد ص: ١٢٦ برقم ١٢٣، والبيهقي في شعب الإيمان (١٥/ ١٤٠ - ١٤١)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ١٠١)، وقال محقق كتاب الزهد لأبي داود: أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (١١/ ٣١١) بإسناد صحيح.
(٥) سير أعلام النبلاء (١/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>