للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا (١)» (٢).

ومنها: أن من أراد أهلها بسوء أهلكه الله، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةَ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» (٣).

وفي رواية لمسلم: «وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ» (٤).

قال القاضي عياض: «قوله: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةَ بِسُوءٍ، أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ»، هذه الزيادة ترفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها وأن هذا حكمه في الآخرة، ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى اللهُ عليه وسلم بسوءٍ اضْمَحَلَّ أمره كما يَضْمَحِلُّ الرصاص في النار، فيكون في اللفظ تقديم وتأخير، ويؤيده قوله في الحديث: «كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ»، ويحتمل أن يكون المراد: لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ولا يمكن سلطانه، ويذهبه عن قرب، كما انقضى من شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم بن عقبة، وهلاكه منصرفه عنها، ثم هلاك يزيد بن


(١) ومعنى «وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا»: أي تخلصه، والمعنى: أنها إذا نفت الخبث تميز الطيب واستقر فيها. «الفتح» (٤/ ٩٧)، و «النهاية لابن الأثير» (٥/ ٦٥٥).
(٢) «صحيح البخاري» (برقم ٧٢١)، و «صحيح مسلم» (برقم ١٣٨٣).
(٣) «صحيح البخاري» (برقم ١٨٧٧)، و «صحيح مسلم» (برقم ١٣٨٧) واللفظ له.
(٤) «صحيح مسلم» (برقم ١٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>