أَذَاهُمْ» (١). كما استدلوا بما أوجبه الله على المسلمين من حضور الجمع والجماعات، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإجابة دعوتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ولا يتحقق ذلك إلا بمخالطتهم والصواب هو التفصيل في ذلك: فمن آتاه الله العلم والقوة، واستطاع القيام بحق المخالطة من تعليم العلم، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلامة من الفتن، فالاختلاط في حق هذا أفضل؛ ومن لم يكن قادرًا على ذلك ويخشى الفتنة في دينه، فالعزلة في حقه أولى، والأول أفضل من الثاني كما جاء النص بذلك في الحديث المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال:«الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعظَمُ أَجرًا مِنَ المُؤمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». ولي هنا تنبيهان:
الأول: أن بعضًا ممن ينتسب إلى الدعوة ويزعم أنه من أهلها، يخالطون الناس ويسايرونهم على ما هم عليه، بل يداهنونهم ويسمونها مجاملة، أو سياسة الدعوة، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث؛ والحديث نص في الرد عليهم، فإن فيه تعرضهم للأذى، ولا يكون ذلك إلا بسبب الأمر والنهي والصدع بالحق، وتحقيق الولاء والبراء، ولذا أُمروا بالصبر على ذلك؛ أما هؤلاء المخالطون فإن حقيقة أمرهم سياسة معايشهم والحفاظ على وجاهتهم، والابتعاد عن مواطن الأذى في ذات الله، ولو كان ذلك على حساب دينهم، ودعوة إبراهيم عليه السلام
(١) سنن الترمذي برقم ٢٥٠٧، وابن ماجه رقم ٤٠٣٢ واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٣٠٦) برقم (٢٠٣٥).