الفائدة الثانية: التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض لها الإنسان غالبًا بالمخالطة وهي أربعة:
١ - الغيبة: فإن عادة الناس الخوض بالأعراض والتفكه بها، فإن خالطتهم ووافقتهم أثمت وتعرضت لسخط الله تعالى، وإن سكتَّ كنت شريكًا في الإثم.
٢ - ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من خالط الناس لم يَخلُ عن مشاهدة المنكرات، فإن سكت عصى الله، وإن أنكر تعرض لأنواع من الضرر، وفي العزلة سلامة من هذا.
٣ - الرياء: وهو الداء العضال الذي يعسر الأضرار منه، وأول ما في مخالطة الناس إظهار التشوق إليهم، ولا يخلو ذلك عن الكذب، إما في الأصل، وإما في الزيادة. وقد كان السلف يحترزون في جواب قول السائل: كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ كما قال بعضهم، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا.
واعلم أنه إذا كان سؤال السائل لأخيه: كيف أصبحت؟ لا يبعثه عليه شفقة ولا محبة، كان تكلفًا ورياء، وربما سأله وفي القلب ضغن وحقد يورث أن يعلم فساد حاله، وفي العزلة الخلاص عن هذا؛ لأنه من لقي الخلق ولم يخالقهم بأخلاقهم، مقتوه واستثقلوه واغتابوه، ويذهب دينهم فيه، ويذهب دينه ودنياه في الانتقام منهم.
٤ - مسارقة الطبع من أخلاقهم الرديئة، وهو داء دفين قلما ينتبه له العقلاء فضلًا عن الغافلين، وذلك أنه قَلَّ أن يجالس الإنسان