للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسقًا مرة، مع كونه منكرًا عليه في باطنه، إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته، لوجد فرقًا في النفور عن الفساد، لأن الفساد يصير بكثرة المباشرة هينًا على الطبع، ويسقط وقعه واستعظامه.

الفائدة الثالثة: الخلاص من الفتن والخصومات، وصيانة الدين عن الخوض فيها، فإنه قلما تخلو البلاد من العصبية، والخصومات، والمعتزل عنهم سليم. روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمرو رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفتن ووصفها وقال: «إذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ (١)، وَخَفَّتْ أمانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَينَ أَصَابِعِهِ، فَقُلتُ: مَا تَأمُرُنِي؟ فَقَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ» (٢).

الفائدة الرابعة: الخلاص من شر الناس، فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة، ومرة بالنميمة، ومرة بسوء الظن، ومرة بالأطماع الكاذبة، ومن خالط الناس لم ينفك من حاسد، وعدو، وغير ذلك من أنواع الشر التي يلقاها الإنسان من معارفه، وفي العزلة خلاص من ذلك، كما قال بعضهم:

عَدُوُّكَ مِن صَدِيقِكَ مُسْتَفَادُ ... فَلَا تسْتَكْثِرَنَّ مِنَ الصِّحَابِ

فَإِنَّ الدَّاءَ أَكثَرُ مَا تَرَاهُ ... يَكُونُ مِنَ الطَّعَامِ أَوِ الشَّرَابِ

وقال عمر رضي الله عنه: في العزلة راحة من خلطاء السوء. وقال رجل


(١) أي: اضطربت وقل الوفاء بها.
(٢) سنن أبي داود برقم ٤٣٤٣، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>