فعمَّا قليل يزول هذا كله عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجًا وجميع ما هم فيه {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، وقال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)} [التوبة: ٥٥].
وأما المتقون لربهم المؤمنون، فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} فلو قدر أنهم في دار الدنيا قد حصل لهم كل بؤس وشدة وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم والعيش السليم والسرور والحبور نزرًا يسيرًا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال:{وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بِرِّه أجرًا عظيمًا، وعطاءً جسيمًا، وفوزًا دائمًا.
قوله تعالى:{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أُنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة، أنهم خاشعون لله: أي مطيعون له، خاضعون متذللون بين يديه {لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا