قَلِيلًا} أي: لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر صفته، ونعته، ومبعثه، وصفة أمته، وهؤلاء خيرة أهل الكتاب وصفوتهم، سواء كانوا هودًا أو نصارى.
قال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)} [آل عمران:١١٣]، وقال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)} [الأعراف:١٥٩]، وهذه الصفات توجد في اليهود، ولكن قليلًا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق، كما قال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}[المائدة: ٨٢]. وثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما قرأ سورة مريم: {كهيعص (١)} [مريم:١] بحضرة النجاشي ملك الحبشة، وعنده البطاركة والقساوسة، بكى وبكوا معه، حتى أخضبوا لحاهم (١). وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي - صلى الله عليه وسلم -
(١). قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (٣/ ٢٦٣ - ٢٦٨) برقم ١٧٤٠، وقال محققوه: إسناده حسن.