للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن. وإيثار رضا الله - عز وجل - على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قاوم العالم كله وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم، بل كان همه وعزمه وسعيه كله مقصورًا على إيثار مرضاة الله، وتبليغ رسالاته ... فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال صلوات الله وسلامه عليه.

هذا، وقد جرت سنة الله - التي لا تبديل لها - أنَّ من آثر مرضاة الخلق على مرضاته، أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامده ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضات ربه وصل، وهذا أعجز الخلق وأحمقهم.

قال الشافعي - رحمه الله -: «رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه». ومعلوم أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:

فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيَرةٌ ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ

وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَاِمرٌ ... وَبَيْنِي وَبَيْنَ العَالَمِيْنَ خَرَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>